اللغة العربية (شعبة الآداب) 2013 الدورة الإستدراكية - الموضوع

تمكن المازني والعقاد من إحداث بعض التغيير في الذوق الأدبي خلال العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين عن طريق كتاباتهما النقدية. فقد شجع ما شنّاه من هجوم على شعر شوقي والكلاسيكية الجديدة الجمهور المثقف على أن يصغي لأصوات غير أصوات التقليديين. هذا الدور الذي قام به المازني والعقاد في مصر، أدى ِمثله دعاة التجديد في لبنان والمهجر، أمثال جبران وميخائيل نعيمة. ولولا تلك المعارك الأدبية والكتابات النقدية، لَتعذر انتشار الرومانسية على نحو ما انتشرت في الشعر الحديث.

ومن سمات الرومانسية التي بدت في أجلى مظاهرها في الفترة ما بين الحربين العالميتين، أن التعارض بين الشكل والمضمون قد اختفى كلية أو كاد، وأن المثل الأعلى للشعر فيها هو الغنائية وسيادة العواطف والأحاسيس الذاتية، التي تشمل الحزن والأشواق الغامضة والحيرة والحنين إلى براءة الطفولة والتوق إلى المثل العليا البعيدة المنال... ويَـرجع بعض هذه المواقف والاتجاهات العاطفية الجديدة إلى تقليد مباشر للشعر الرومانسي الأوربي، كما يَـرجع البعض الآخر إلى الموقف الثقافي والسياسي العام الذي وجد فيه العرب أنفسهم في ذلك الوقت...

وأتباع الحركة الرومانسية في الشعر العربي الحديث كثيرون، منهم أحمد زكي أبو شادي وإبراهيم ناجي وعلي محمود طه وإلياس أبو شبكة وعمر أبو ريشة وأبو القاسم الشابي وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وغيرهم... وكان الدور الذي أداه شعراء المهجر في نشر المواقف والاتجاهات الرومانسية عظيما حقا، فكان تأثيرهم عميقا وشاملا في معاصريهم. وحين هاجروا إلى أمريكا وجدوا فيها مجالا للتجديد والابتكار والتجريب... ويبدو بعض شعراء أمريكا الشمالية أشد ثورة على تقاليد الأدب العربي من شعراء أمريكا الجنوبية؛ إلا أن هناك عدة نقاط يلتقي فيها شعراء المهجر بصفة عامة. فجميعهم كانوا يعانون إحساسا حادا بالغربة وعدم الانتماء، فكان الشعور بالحنين إلى الوطن يسود نتاجهم، وهو شعور زاد من حدته إدراكهم لغربتهم في المجتمع الجديد...

ونستطيع الجزم بأن جيل الشعراء الرومانسيين العرب الذين بلغوا مرحلة النضج في فترة ما بين الحربين، قد وقعوا جميعهم تحت تأثير شعراء المهجر الذين ساهموا إلى حد بعيد في تحرير الشعر العربي الحديث. فقد ساعد هؤلاء الشعراء على إيجاد مفهوم جديد للشعر العربي، أضاف بعدا روحيا إلى أبعاده، كما نبذوا اللهجة الخطابية التقليدية وآثروا ما سماه الناقد محمد مندور بالشعر المهموس، فركزوا شعرهم على تجارب الإنسان الذاتية، وعلى موقفه إزاء الطبيعة وإزاء القضايا الإنسانية الأساسية ومشكلات الوجود، فأثروا بذلك الشعر العربي وو ّسعوا أفقه وحرروا شكله العام.

محمد مصطفى بدوي ـ قضية الحداثة ومسائل أخرى في النقد الأدبي، دار شرقيات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة