ظاهرة الشعر الحديث - القراءة التوجيهية
التعريف بأحمد المعداوي
ولد أحمد المعداوي سنة 1936م بالدار البيضاء، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية بين الدار البيضاء والرباط،. وحصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق، كما نال دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971م تحت إشراف الدكتور أمجد الطرابلسي، وكان موضوع الرسالة هو : ” حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة (1947ء1967) “، كما حضّر دكتوراه الدولة حول “أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث”، ونوقشت الأطروحة كذلك بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط .
هذا، وقد مارس أحمد المعداوي الملقب بأحمد المجاطي كتابة الشعر والنقد، كما امتهن التدريس بجامعة محمد بن عبد الله بفاس منذ 1964م ، وبعد ذلك انتقل للتدريس بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط،، وكان من المؤسسين الأوائل لحركة الحداثة في الشعر بالمغرب، وقد فاز ” بجائزة ابن زيدون” للشعر التي يمنحها المعهد الإسباني/ العربي للثقافة بمدريد لأحسن ديوان بالعربية والإسبانية لعام 1985م على ديوانه الشعري “الفروسية” 3. كما فاز بجائزة المغرب الكبرى للشعر سنة 1987م، وانتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية بكلية الآداب بالرباط منذ 1991م، وكان عضوا بارزا في تحرير مجلة” أقلام” المغربية التي كان يترأسها كل من عبد الرحمن بن عمرو وأحمد السطاتي ومحمد إبراهيم بوعلو، ومثل المغرب في مهرجانات عربية عدة.
وقد كتب المجاطي عدة مقالات وقصائد شعرية كانت تنشر بعدة صحف وملاحق ثقافية كجريدة “العلم”، وجريدة “المحرر”، وجريدة “الأهداف” المغربية، ومجلة “آفاق”، ومجلة “المعرفة” و”الثورة العراقية” و”أنفاس” و”دعوة الحق”، ومجلة “شروق”، ومجلة “الآداب” اللبنانية… وخلف ديوانا شعريا بعنوان “الفروسية”.
وبدأ أحمد المعداوي كتابة الشعر منذ الخمسينيات من القرن العشرين عندما كان طالبا بالثانوي، فكتب قصائد شعرية عمودية، وقصائد رومانسية، تأثر فيها بشعراء الديوان وأپولو وشعراء المهجر لينتقل بعد ذلك إلى كتابة الشعر المعاصر مع مجموعة من الشعراء المغاربة الذين سيصبحون في فترة الستينيات هم المؤسسون الحقيقيون لشعر التفعيلة في المغرب منهم : محمد السرغيني، وعبد الكريم الطبال، ومحمد الميموني، وعبد الرفيع الجواهري، وأحمد الجوماري، وبنسالم الدمناتي، وأحمد صبري، وعبد الإله كنون، ومحمد الخمار الكنوني، ومحمد .ع.الهواري. وقد سماهم محمد بنيس في كتابه ” ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب ” بشعراء “السقوط والانتظار”، بينما سيسمي تابعه عبد الله راجع شعراء السبعينيات بشعراء المواجهة والتأسيس أو شعراء الشهادة والاستشهاد . و توفي أحمد المجاطي سنة 1995م بعد سنوات زاهرة بالعطاء التربوي والبيداغوجي ،ومزدانة بالعمل والاجتهاد والإبداع والكتابة والنقد.
وقد تميز أحمد المعداوي في دراساته الأدبية والنقدية، ولاسيما في كتابيه : ” ظاهرة الشعر الحديث” و” أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث” بخبرة كبيرة في الطرح والتحليل وجدية المقاربة التي تجمع بين التأريخ والتنظير والتحليل وممارسة النقد وتقويم الآراء المخالفة.
ويلاحظ أن المعداوي كان ينطلق في قراأته من رؤية شاعر محنك في مجال شعر التفعيلة، ومن تصور أستاذ جامعي له ممارسة طويلة في مجال تدريس الآداب و فقه اللغة وعلومها واستيعاب علم العروض والقافية استيعابا جيدا؛ وكل هذا أهله ليكون من أهم الشعراء النقاد العرب الذين تناولوا شعر الحداثة أو شعر التفعيلة بالدرس والتمحيص إلى جانب مجموعة من الشعراء النقاد نذكر منهم: أدونيس ومحمد بنيس وإلياس خوري وعبد الله راجع على سبيل التمثيل.
التعريف بالمؤلَّف
الموضوع
يرصد المؤلف سيرورة الشعر العربي الحديث من التحولات التجديدية الأولى إلى تفتيت البيت الواحد والتمرد على نظام الأشطر المتساوية .
جنس المؤلف
ينتمي هذا المؤلف إلى مجال النقد الأدبي، الذي موضوعه دراسة الآثار الأدبية شعرا ونثرا، وتحليلها من أجل فهمها وتذوقها، وتفسيرها وتأويلها، والكشف عن أسرار جمالها. وهو لذلك يفرض على من يمارسه أن يكون ذا ثقافة أدبية واسعة، وذوق وتمرس يستطيع بهما النفاذ إلى جوهر الأثر الأدبي وكشف مقوماته وأسرار جماله.
والنقد الأدبي قديم عند العرب، مارسه بالفطرة الشعراء وغيرهم في الجاهلية والإسلام .. قبل أن يتوسع على أسس علمية منظمة مع علماء اللغة والبلاغيين والشعراء والكتاب خاصة في العصر العباسي الذي تنوعت فيه الموارد المعرفية والفكرية، فاتجه النقاد إلى وضع أسس جمالية لتقييم الأثر الأدبي من زاوية اللفظ والمعنى والأساليب والصور، وظهرت الموازنات والمفاضلات بين الشعراء، واهتم النقاد بتحقيق النصوص، وأثر البيئة في فصاحة الشعراء والأدباء، فتحقق من تلك العصور القديمة تراث نقدي كثير موزع بين كتب مختلفة . ولما جاء عصر النهضة، وانفتح العرب على ثقافة الغرب، اتجهت عنايتهم إلى نقل مناهج الغربيين في الدراسة الأدبية ، وانقسم النقاد الحديثون بين محافظ على أساليب النقد الموروث، وميال إلى أساليب الغرب ومناهجهم التي جمعت ببين الجانب الاجتماعي والنفسي والجمالي .
موقع المؤلف ضمن النقد المغربي
التوجه النقدي المحافظ
اختلط عند أصحابه النقد بتاريخ الأدب، على نحو تطبعه الأحكام العامة والانطباعية، والذوق الجمالي الفردي المنصرف إلى ظواهر دلالية وأسلوبية معزولة تفتقر إلى الدراسة النسقية.
التوجه النقدي الجديد
يستلهم المناهج بسبب الانفتاح على الشرق والغرب، ونشاط الصحافة، وتطور المقالات، وظهور الجامعات، واتساع حركة الترجمة . وانقسم النقد الجديد بدوره إلى توجهين، هما :
- نقد إيديولوجي : أفرزته الصراعات الفكرية والسياسية لفترة ما بعد الاستقلال، وهو نقد ينزع إلى التحليل السوسيولوجي للأثر الأدبي، وربطه بالصراع الطبقي. ومن الذين مثلوا هذا الاتجاه: نجيب العوفي في كتابه (درجة الوعي في الكتابة)، وإدريس الناقوري في كتابه (المصطلح المشترك).
- نقد علمــــــــي : يهتم بالأثر الأدبي في ذاته، بصرف النظر عن محيطه الاجتماعي والتاريخي. ويعمل على تحليل عناصر الخطاب على أسس لسانية وأسلوبية وسيميائية، للكشف عن أدبية النص . وقد مثل هذا التوجه النقدية جملة من النقاد أمثال : محمد مفتاح، ومحمد برادة، وسعيد يقطين، ومحمد المعتصم ..
ولقد ساهمت الجامعة المغربية وأسلوبية وسيميائية بأوفر نصيب في تطوير حركة النقد الحديث في المغرب من خلال الدراسات والرسائل التي يُعدها الطلبة لنيل الشهادات العليا.
وهذا الكتاب (ظاهرة الشعر الحديث) مثال للنقد الجامعي، جمع فيه صاحبه بين منطلقات نقدية متعددة، تتمثل في المنهج التاريخي، والموضوعاتي، والجمالي. موضوعه الشعر الحديث، أو شعر الحداثة. وأهميته تنبع من كونه من الدراسات الأولى التي كتبت في المغرب عن شعر الحداثة، بل هو واحد وأسلوبيةوسيميائيةمن كتب قليلة كُتبت عن حركة الشعر الحديث في الوطن العربي في تلك الفترة، مثل ( شعرنا الحديث إلى أين؟) لغالي شكري، وقضية الشعر الجديد) لمحمد النويهي، و(قضايا الشعر المعاصر) لنازك الملائكة.
قراءة في عنوان المؤلَّف
للعنوان عموما أهمية بارزة في الإيحاء بمحتوى النص وفتح آفاق لبناء فرضيات للقراءة، ومن تم فهو بداية النص، وأول مدخل لقراءته. ويتألف عنوان هذا المؤلف من ثلاث كلمات، رُكبت في صيغة جملة إسمية حُذف مبتدؤها، وجاء الخبر مضافا إلى الشعر لإفادة التعريف، ثم جيء بوصف للشعر (الحديث) يفيد التخصيص، فتكون بذلك الظاهرة المقصودة بالدراسة هي الشعر، ثم تضيق مساحة هذا الشعر لتربط الدراسة بالحديث منه على الخصوص.
الظاهرة
وهي كل شيء له وجود مادي قابل للإدراك الحسي أو العقلي. وعادة ما يطلق هذا الوصف على واقعة ملفتة للنظر بسبب انتشارها أو اطرادها أو تكرارها، مثل ظاهرة التسول في المجال الاجتماعي، أو العزوف السياسي في السياسة، أو ظاهرة الاحتباس الحراري في المجال الطبيعي، أو ظاهرة الغموض في المجال الشعري …
الشعر
يطلق في التحديد التقليدي على المنظوم في الكلام في مقابل النثر. ومادته اللغوية (ش ـ ع ـ ر) تربطه بالشعور والإحساس، فيكون بذلك ثمرة العواطف والمشاعر، دون أن يعني ذلك إغفال الفكر والعقل .
الحديث
هو نقيض القديم، ويتحدد الحديث زمانيا بحملة نابليون على مصر سنة 1779. لكن نظرة في مقدمة الكتاب تبين أن الكاتب لم يقصد دراسة كل هذه الفترة من تاريخ الشعر العربي، وإنما قصد دراسة الشعر العربي الذي ظهر بعد نكبة فلسطين، ويسمى هذا الشعر أيضا (الشعر الحر) لتحرره من قيود شعرية كثيرة، كبلت الشعراء المحافظين، كما يسمى شعر (التفعيلة) لأنه تمرد على صرامة الوزن، واستبدل به التفعيلة الشعرية، ويطلق عليه أيضا (شعر الحداثة) للتأكيد على ما فيه من رؤى جديدة تقوم على التجديد والتجريب المستمرين، إن على صعيد اللغة الشعررية، أو على صعيد الرؤى.
ومن كل تلك الإيحاأت يمكن القول إن عنوان الكتاب يُفصح عن موضوعه، الذي هو الشعر الحديث، أو شعر الحداثة، بوصفه ظاهرة أدبية مُلفتة بوقائعها الأدبية الجديدة القابلة للإدراك حسا وعقلا .
قراءة في الغلاف
يتضمن الغلاف لوحة تشكيلية وعلامات لغوية، تدل على عنوان المؤلف وصاحبه والوزارة الوصية على برمجته ضمن منهاج اللغة العربية لمسلك الآداب والعلوم الإنسانية، ودار النشر (المدارس).
أما اللوحة التشكيلية فتتضمن حروفا بألوان عديدة تتناثر في فضاء مطلق، وتعلو بوتقة حمراء توحي بطبيعة العملية الإبداعية التي تقوم صوغ الحروف والكلمات وتناص النصوص وغيرها ليصوغ منها الشعر أبنية جديدة للقصيدة، ولغة شعرية مبتكرة في سياق ودينامية تطورية ترتهن بمجموعة من الشروط والعوامل . من هنا فغلاف المؤلف هو جزء من النصوص الموازية التي تشي بمحتواه.