النموذج العاملي 2 - نظام العلاقات بين العوامل
مثال الانطلاق
زعموا أن أرضاً من أراضي الفيلة أجذبت، وقل ماؤها، فأصاب الفيلة عطش شديد، فأرسل الملك رسوله ورواده في طلب الماء. فرجع إليه بعض الرسل، فأخبره إني قد وجدت بمكان كذا عيناً يقال لها عين القمر. فتوجه ملك الفيلة إلى تلك العين ليشرب منها هو وفيلته، وكانت العين في أرض للأرانب، فوطئن الأرانب في أحجارهن، فأهلكن منهن كثيراً. فتقدمت أرنبٌ من الأرانب يقال لها فيروز، وكان الملك يعرفها بحسن الرأي والأدب، فقالت: إن رأى الملك أن يبعثني إلى الفيلة. ثم إن الأرنب انطلقت في ليلة قمراء، ونادت ملك الفيلة وقالت له: إن القمر أرسلني إليك، فأنذرك ألا تعود إلى مثل ذلك، وإنك إن فعلت أُغشِّ بصرك، وأتلف نفسك، وإن كنت في شكٍّ من رسالتي، فهلم إلى العين من ساعتك؛ فإني موافيك بها، فانطلق إلى العين مع فيروز الرسول. فلما نظر إليها، رأى ضوء القمر فيها، فأدخل الفيل خرطومه في الماء، فتحرك فخيل للفيل أن القمر ارتعد. فقال: ما شأن القمر ارتعد؟ أتراه غضب من إدخالي الخرطوم في الماء؟ قالت فيروز الأرنب: نعم. فسجد الفيل للقمر، وشرط ألا يعود إلى مثل ذلك هو ولا أحد من فيلته.
عبد الله بن المقفع، كليلة ودمنة ،تحقيق مصطفى لطفي المنفلوطي – دار الكتاب العربي بيروت لبنان 1984 ص 262 بتصرف.
ملاحظة المثال
المثال عبارة عن قصة تبدأ بالوضعية الأولية وهي ما لحق الفيلة من جذب وعطش، ثم سيرورة الحدث وتتجلى في لجوء الفيلة إلى عين القمر وما خلفه ذلك من أذى للأرانب التي دبرت حيلة تخلصها من ضرر الفيلة ،وأخيرا الوضعية النهائية المتمثلة في عودة الاستقرار والأمان إلى الأرانب.
وفي القصة نجد شخصيات عوامل تؤدي دورا أو مهمة فيها، وبملاحظة كل عامل من هذه الشخصيات نجده يؤدي وظيفة داخل القصة: فالعامل المرسل هو ملك الأرانب الذي يدفع عامل الذات/البطل وهو الأرنب فيروز للقيام بمهمة التوسط لدى العامل المعاكس ملك الفيلة وبطشه الذي يحرم الأرانب من العامل المرسل إليه وهو تحقيق الأمن والاستقرار والحماية، وكان العامل المساعد الذي يؤازر الذات في مهمتها هو الذكاء والحيلة لإبعاد الفيلة عن عين القمر ورد الخطر وهو العامل الموضوع.
وبتمعن في هذه العوامل نجد أن هناك علاقات تجمع بينها كعلاقة التواصل التي تجمع بين المرسل والمرسل إليه بحكم أن ملك الأرانب (المرسل) يعتبر مسؤولا عن (المرسل إليه) الأمن والحماية،تقابلها علاقة صراع بين الحيلة (العامل المساعد) والبطش الذي يقوم به الفيلة (العامل المعاكس)، وعلاقة رغبة بين الأرنب فيروز (عامل الذات) وإبعاد الفيلة عن عين القمر (العامل الموضوع).
خلاصة
الشخصيات السردية هي كل مشارك في الأحداث بما ينجزه من أعمال أو يؤديه من أدوار، وتسمى العامل، والعوامل في القصة تنتظم في أزواج ثلاثة، وكل زوج منها يشكل محورا تؤطره إحدى العلاقات الآتية:
- علاقة التواصل: وهي المحور الدلالي الذي يجمع بين العامل المرسل والعامل المرسل إليه.
- علاقة الرغبة: وهي المحور الدلالي الذي يجمع بين العامل الذات والعامل الموضوع.
- علاقة الصراع: وهي المحور الدلالي الذي يجمع بين العامل المساعد والعامل المعاكس.