الحي اللاتيني (سهيل إدريس) - قراءة توجيهية
عتبة المؤلف
سهيل إدريس من رواد الرواية العرب الذين ساهموا في بلورة خطاب روائي عربي متكامل فنيا إلى جانب يحيى حقي ويوسف إدريس وطه حسين ومحمد حسين هيكل صاحب رواية زينب ومحمد المسعدي وتوفيق الحكيم وآخرين…
سهيل إدريس من مواليد بيروت سنة 1925م، درس في الكلية الشرعية وتخرج منها شيخا عالما ورجل فقه، وبعد تخرجه سنة 1940م تخلى عن زيه الديني وعاد إلى وضعه المدني. وبعد ذلك بدأ يمارس الصحافة منذ سنة 1939م؛ لكنه استقال ليتابع دراساته العليا في باريس قصد تحضير الدكتوراه في الأدب العربي تحت إشراف أساتذة جامعة السوربون. وقد نال فعلا شهادة الدكتوراه واستوعب جيدا الفكر الغربي وتياراته الفلسفية عن طريق القراءة والترجمة والاحتكاك المباشر.
وعند عودته، أنشأ سهيل إدريس مجلة الآداب سنة 1953م بالاشتراك مع المرحومين بهيج عثمان ومنير البعلبكي، ثم تفرد بالمجلة سنة 1956م ودافع كثيرا عن التيار الوجودي، وترجم الكثير من إبداعاته. وقد كانت المجلة دعامة أساسية للشعر التفعيلي والقصيدة النثرية والحداثة بصفة عامة.
وفي سنة 1956م، أسس سهيل إدريس دار الآداب بالاشتراك مع نزار القباني، الذي اضطر لاحقا إلى الانفصال عن الدار بسبب احتجاج الوزارة الخارجية السورية. وعمل في سلك التعليم مدرسا للغة العربية والنقد والترجمة في عدة جامعات ومعاهد. وأسس اتحاد الكتاب اللبنانيين مع قسطنطين زريق ومغيزل ومنير البعلبكي وأدونيس، وانتخب أمينا عاما لهذا الاتحاد لأربع دورات متتالية.
ومن مؤلفاته:
- أشواق (قصص) 1947
- نيران وثلوج (قصص) 1948
- كلهن نساء (قصص) 1949
- أقاصيص أولى (قصص) 1977
- أقاصيص ثانية (قصص) 1977
- الدمع المر (قصص) 1956
- رحماك يا دمشق (قصص) 1965
- العراء (قصص) 1977
- الشهداء (مسرحية) 1965
- زهرة من دم (مسرحية) 1969
- الحي اللاتيني (رواية) 1953
- الخندق الغميق (رواية) 1958
- أصابعنا التي تحترق (رواية) 1962
- سراب (رواية) نشرت مسلسلة في جريدة بيروت المساء عام 1948
- في معترك القومية والحرية (دراسة)
- مواقف وقضايا أدبية (دراسة)
- القصة في لبنان (دراسة)
- دروب الحرية (ترجمة)
- الغثيان (ترجمة)
- سيرتي الذاتية لسارتر (ترجمة)
- الطاعون لألبير كامو (ترجمة)
- هيروشيما حبيبي” ترجمة” لمارغريت دورا (ترجمة)
- ذكريات الأدب والحب (سيرة ذاتية) 2005
- المنهل (معجم فرنسي – عربي) بالاشتراك مع الدكتور جبور عبد النور.
لقد ترجم سهيل إدريس أكثر من عشرين كتابا بين دراسة ورواية وقصة ومسرحية.
عتبة العنوان
إن عنوان الرواية هو الحي اللاتيني، وهو عنوان كلاسيكي صيغ في تركيب وصفي اسمي، خبره المتن الروائي ككل. ويشير العنوان إلى المكون المكاني الذي تجري فيه الأحداث الرئيسة في الرواية. والحي اللاتيني حي الطلبة الذين يأتون إلى فرنسا من كل أصقاع العالم لطلب العلم ومتابعة الدراسات العليا الجامعية قصد تحضير شهادة الليسانس أو الدكتوراه, ويحاذي هذا الفضاء العلمي جامعة السوربون بباريس. كما أن هذا المكان يأوي الطلبة المغتربين بفنادقه ومطاعمه ويتحول إلى أندية للنقاش السياسي والاجتماعي والفكري أو ملتقى إنساني وحضاري متنوع لتعدد مشارب الطلبة على المستوى اللغوي والعقائدي، وفضاء رومانسي وغرامي يؤثث العلاقات بين الجنسين، كما يشكل صورة واضحة للعلاقة بين الشرق والغرب.
عتبة الجنس
يمكن إدراج هذه الرواية ضمن الرواية الحضارية التي تصور العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب، أي أن الرواية الحضارية هي التي تصور العلاقة بين الأنا والآخر أو اللقاء الحضاري بين الشرق بعاداته ودياناته ومعطياته الروحية وبين الغرب بمعطياته المادية والعلمية والتكنولوجية. وقد تكون هذه العلاقة بين الأنا والآخر علاقة إيجابية قائمة على التواصل والتعايش والحوار والتكامل والأخوة والاحترام، وقد تكون العلاقة مبنية على الصراع الجدلي والعدوان والكراهية والصدام. والحي اللاتيني رواية من هذه الروايات الحضارية التي تعقد مقارنة حضارية بين الشرق والغرب، كما يمكن اعتبارها كذلك سيرة ذاتية للمؤلف الدكتور سهيل إدريس لتطابق أحداث الرواية مع سيرة الكاتب من الناحية العلمية والاجتماعية والهوية الثقافية والأدبية…ويمكن اعتبارها سيرة ذهنية على غرار سيرة عبد الله العروي أوراق والأيام لطه حسين وحياتي لأحمد أمين… مادامت تركز على المعطى العلمي والثقافي وما حصله البطل من شواهد علمية وما قرأه من كتب وما قام به من علاقات غرامية وثقافية وإنسانية.
وليست هذه الرواية هي الرواية الحضارية الوحيدة بل هناك روايات أخرى ظهرت منذ القرن التاسع عشر مع صدمة الاستعمار وطرح المفكرين والمبدعين لذلك السؤال الحضاري الجوهري الكبير: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟
ومن النصوص السردية والروائية الحضارية نجد:
- تخليص الإبريز في تاريخ باريز لرفاعة الطهطاوي (1834)
- علم الدين لعلي مبارك ( 1836)
- حديث عيس بن هشام للمويلحي ( 1905)
- أديب لطه حسين (1935)
- عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم (1938)
- الحي اللاتيني لسهيل إدريس (1953)
- قنديل أم هاشم ليحيى حقي (1954)؛
- موسم الهجرة للشمال للطيب صالح (1966)
- شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف (1975)
المعمار الروائي
للحي اللاتيني معمار روائي يذكرنا بالأبحاث الأكاديمية والرسائل والأطروحات الجامعية، إذ قسم الكاتب روايته إلى ثلاثة أقسام وتمهيد وخاتمة على غرار المصنفات والدراسات الأدبية والنقدية والفكرية. وهذا المعمار كان لا يستعمل بكثرة في الإبداع سواء أكان شعرا أم رواية أم قصة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى تأثر الكاتب سهيل إدريس ببحوثه ودراساته الأدبية والنقدية والمترجمات التي كان ينجزها. و يتكون كل قسم من مجموعة من الفصول المرقمة دون أن يسميها فصولا. ويمكن توضيح المعمار الروائي على الطريقة التالية:
- التمهيد : ثلاث صفحات تقريبا.
- القسم الأول : 12 فصلا أو مبحثا قصصيا.
- القسم الثاني : 11 فصلا أو مبحثا روائيا أو قصصيا.
- القسم الثالث : 11 فصلا أو مبحثا روائيا أو قصصيا.
- الخاتمة : ثلاث صفحات تقريبا.
ويلاحظ أن الكاتب أحسن تقسيم روايته لوجود تعادل وتواز كمي بين الأقسام و بشكل نسبي بين المباحث والفصول.
ومن حيث الدلالة يمكن حصره في الشكل التالي:
- التمهيد : وصول الكاتب وأصدقائه إلى الحي اللاتيني بباريس
- القسم الأول : إخفاق بطل الحي اللاتيني في باريس وجدانيا وعاطفيا وتعرفه على جانين مونترو
- القسم الثاني : العلاقة التي كانت تجمع بين البطل وجانين مونترو وعودته إلى بيروت لزيارة أهله
- القسم الثالث : تطور العلاقة الموجودة بين جانين والبطل بسبب الاختلاف الحضاري بين الشرق والغرب وقرار جنين التخلص من جنينها الذي تركته مع البطل
- الخاتمة : عودة البطل إلى بلده بعد حصوله على الشهادة العليا وقراره أن يبدأ حياة نضالية جديدة.
عتبة الأيقون
إن الطبعة التي نعتمدها في دراستنا هاته هي الطبعة الحادية عشرة “1995” الصادرة عن دار الآداب البيروتية التي أسسها سهيل إدريس نفسه مع نزار القباني. ويحمل غلافها الخارجي ثلاث لوحات أيقونية: لوحة باريس الداكنة في فصل الشتاء، ولوحة نهر السين الذي يعبر باريس، ولوحة امرأة شقراء جميلة شبه عارية. وهذه اللوحات تلمح إلى الحب والجنس والمغامرات والفضاء الباريسي بعمرانه و مؤسساته وطبيعته الوارفة الغناء.
عتبة النشر
لقد تم طبع هذه الرواية في دار الآداب البيروتية التي تنشر مجلة الآداب المعروفة التي كانت وإلى الآن منبر للحداثة والتجديد والريادة، وهذه الدار سهرت على طبع الكثير من الأعمال الإبداعية التي سوقتها عربيا وعالميا وحققت نجاحا كبيرا.
ومن يتأمل هذه الرواية يجد أنها وصلت إلى أكثر من الطبعة الحادية عشرة، وهذا يعني أن لها رواجا كبيرا حيث طبع منها آلافا وآلافا من النسخ ” أكثر من 700000 نسخة”، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى جودة هذه الرواية وشهرتها في العالم العربي، وبسبب ما خصص لها من إشهار إعلامي ودراسي.
عتبة كلمات الغلاف
في الغلاف الخارجي الخلفي لرواية الحي اللاتيني مجموعة من الكلمات الانطباعية والآراء النقدية التي تقيم الرواية وتنقدها، وكلها تصب في تقريضها ومدح صاحبها على ما حققه من روعة فنية فيها. ومن هؤلاء نجد: ميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ وشاكر مصطفى وأحمد كمال زكي ويوسف الشاروني وعبد الله عبد الدائم.