الإيمان والغيب - الدرس
الوضعية المشكلة
سمع خالد إمام المسجد في إحدى خطبه، يقول: “لو كان إيماننا بالجنة والنار متجذرا في قلوبنا لما وقعنا في معصية ما بخلنا بطاعة …”. فاستغرب ذلك، وسأل عنه أباه، فقال له: “أجل يا بني، للإيمان بالغيب أثر كبير في صرف الناس عن المعصية، وتحفيزهم على الطاعة …”.
- فما هو الغيب؟
- وما معنى الإيمان بالغيب؟
النصوص المؤطرة للدرس
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَعِندَهُ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾. [سورة يوسف، الآيات: 37 – 40] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا»، قَالَ قَتَادَةُ: فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدَِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: «وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟، فَيَقُولُ: لاَ أدْرِي كُنْتُ أقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ لاَ يَلِيهِ إلاَّ الثَّقَلَيْنِ». [أخرجه الإمام البخاري في صحيحه] قال الإمام أبو عمر السلالجي في الإيمان بالمغيبات: «فيجب الإيمان بما جاء به من: الحشر النشر، وعذاب القبر، وسؤال الملكين (منكر ونكير)، والصراط، والميزان، والحوض، والشفاعة، وأنباء الآخرة جملة تفصيلا». [العقيدة البرهانية الأشعرية لأبي عمر السلالجي، ص: 122] |
توثيق النصوص والتعريف بها
التعريف بأنس بن مالك
أنس بن مالك: هو أبو ثمامة أنس بن مالك بن النضر الخزرجي، ولد بالمدينة سنة 10 قبل الهجرة، أسلم صغيرا، وخدم الرسول ﷺ إلى أن قبض، له من الأحاديث 2286 حديثا، رحل إلى البصرة ومات بها سنة 93 هـ.
نشاط الفهم وشرح المفردات
شرح المفردات والعبارات
- ملة: دين.
- أرباب: جمع رب، وهو في سياق الاستفهام.
- الدين القيم: الدين المستقيم.
- سللطان: حجة وبرهان.
- يفسح له: يوسع له.
- الثقلين: الجن والإنس.
- الحشر: سوق الناس إلى أرض الحساب.
- النشر: البسط، وهو توزيع الصحف.
- الصراط: طريق على جهنم يجتازونه، وهو أدق من الشعرة.
- الحوض: مورد الماء يكرم به النبي يوم القيامة.
- الشفاعة: طلب العفو والخير للغير.
مضامين النصوص الأساسية
- تبرأ سيدنا يوسف من الملة التي كفرت بالله واليوم الأخر.
- الإيمان بنبوة محمد ﷺ هو العاصم من عذاب القبر.
- مشاهد القيامة تبدأ بموت الإنسان.
حقيقة الإيمان وشروطه
مفهوم الإيمان
الإيمان: لغة: هو التصديق والوثوق، واصطلاحا: هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح، وأركانه ستة (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره)، وتتجلي حقيقة الإيمان في صلة العبد بربه، بحيث يعتبر المؤمن أن الإيمان أجل نعمة على الإطلاق، فليس هو مجرد نطق باللسان واعتقاد بالجنان، وإنما هو عقيدة تملأ القلب وتصدرعنها آثارها في السلوكات والمعاملات.
شروط الإيمان
- العلم المنافي للجهل: فالله يعبد بعلم لا بجهل.
- التصديق المنافي للتكذيب: وهو التصديق الجازم بكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.
- الإتباع المنافي للابتداع: قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾.
مفهوم الغيب وأقسامه ودلالة الإيمان به
مفهوم الغيب
الغيب: لغة: هو كل ما غاب عن إدراك حواس الإنسان، واصطلاحا: هو كل ما لا سبيل إلى إدراكه إلا عن طريق الخبر اليقيني (الوحي أو الحقائق العلمية).
أقسام الغيب
- غيب نسبي: وهو الذي يتيسر للإنسان إدراكه (بالحواس) بعلم أو تجربة أو زمن فيصبح من عالم الشهادة (علم الطب وعلم الأرصاد الجوية والفلك والخسوف والكسوف …).
- غيب مطلق: وهو الذي لا يمكن للإنسان إدراكه، لأنه مما استأثر الله بعلمه وأمرنا بالإيمان به (البعث والحشر والصراط والمیزان والجنة …).
دلالة الإيمان بالغيب
الإيمان بالغيب هو تصديق كل ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ مما لا سبيل إلى العلم به وإدراكه حسا أو بوسائل بدون شك أو تردد، وتتجلى علاقة الغيب بالإيمان في كون: الغيب يعبر عن جوهر الفكرة الإيمانية، وأساس العقيدة الإسلامية، به يتلقى المؤمن رسالات القرآن المجيد، توحيدا للخالق ورحمة بالخلق وعمرانا للأرض.
أثر الإيمان بالغيب في التصور والسلوك
أثر الإيمان بالغيب على مستوى التصور والوجدان
- الشعور بالتكريم الإلهي، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.
- الشعور برقابة الله تعالى على جميع حركات الإنسان وسكناته، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
- الشعور بالطمأنينة والأنس مما يدفع الإنسان إلى الصبر بدل اليأس، قال تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.
أثر الإيمان بالغيب على مستوى السلوك والممارسة
- الاستقامة على أمر الله تعالى بتنفيذ الأوامر واجتناب النواهي.
- التخلص من العجز والكسل وتحقيق الفاعلية في المجتمع.
- يجعل لحياتنا غاية سامية كفعل الخيرات ومساعدة الآخرين ….
- فكل تكذيب بهذا الغيب يجعل الإنسان يعيش في خوف ورعب من الموت، وهم وحزن وجشع وطمع، وضجر عند المصيبة وفجور عند النعم.
أثر الإيمان بالغيب على مستوى التشبع بالقيم
على المسلم أن يتشبع بقيم الإيمان بكل الغيبيات التي أخبر الله تعالى بها في كتابه، وأخبر بها رسوله ﷺ في سنته، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره شره، والإيمان بأن ما جاء به محمد ﷺ حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الميزان حق، وأن الحساب حق، وأن الحوض حق، وأن الله يبعث من في القبور.