تقديم عام لمجزوءة الفلسفة
تقديم إشكالي
إن كلمة «الفلسفة» ليست غريبة عن مسامعنا، فهي متداولة بشكل واسع في لغتنا اليومية، إلا أن استعمالها كثيرا ما يتميز بنوع من الاستهزاء والتهكم، حيث أنها توصف بالثرثرة والكلام الفارغ وغير المفيد، وتنعت بالتعقيد والغموض، والغريب هو أن الفلسفة تتوخى الوضوح والدقة حتى في الأمور التي يعتقد الناس عادة بوضوحها، كما أنها تتهم بكونها أفكارا غير مألوفة، والحقيقة أن في هذه التهمة نصيب من الصحة لأن التفلسف في أحد معانيه هو خروج عن المعتقدات السائدة، والأفكار المألوفة، ونحن ننطق كلمة «فلسفة» ندرك فجأة أننا نصدر كلمة يونانية الاشتقاق اللغوي، حيث يمكن تجزئة اللفظ اليوناني «فيلوسوفيا» إلى مفردتين وهما: «فيليا» وتعني المحبة، و«سوفيا» وتعني الحكمة، ومن ثمة تكون الفلسفة هي محبة الحكمة، والذي يمارس هذا التعلق بالحكمة يسمى «فيلوسوفوس» أي الفيلسوف، ولمعرفة الفلسفة معرفة وافية لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:
- كيف نشأت الفلسفة؟
- ما أهم المراحل في تاريخها؟
- ما هي مظاهر التفلسف؟
- ما هي أدوات التفكير الفلسفي؟
نشأة الفلسفة
تقديم
عندما وعى الإنسان ذاته في هذا العالم تساءل حول حقيقة وجوده، ووجود هذا العالم من حوله، وبما أن تفكيره كان في مرحلته البدائية، فقد اكتفى ببعض الإجابات البسيطة، دينية وأسطورية، ترجع أصل العالم إلى صراع بين قوى غيبية (الآلهة)، لكن ظهر بعد ذلك رجال لم يقتنعوا بهذه الإجابات، فأعادوا طرح نفس الأسئلة، لكنهم قدموا هذه المرة إجابات تعتمد على العقل، هذه الإجابات هي التي تسمى "الفلسفة".
- فأين ظهرت الفلسفة؟ ومتى؟
- لماذا ظهرت في هذا البلد دون ذاك؟
- ما هي الظروف التي أدت إلى ظهور الفلسفة؟
إطار النشأة
الإطار المكاني
لقد ظهرت الفلسفة لأول مرة في بلاد اليونان التي تحدها جنوبا جزيرة «كريت» التي شهدت بداية الحضارة والمدنية، وشرقا آسيا الصغرى التي كانت تعرف ازدهارا صناعيا وتجاريا وفكريا، أما غربا فتحدها إيطاليا، وأخيرا تحدها من جهة الشمال مقدونيا، تتميز بلاد اليونان من الناحية التضاريسية بالحواجز الطبيعية كالمرتفعات (الجبال والهضاب) مما جعلها عبارة عن مناطق منعزلة، ومع صعوبة المواصلات فقد تطورت كل مدينة في استقلال عن المدن الأخرى، حيث اعتمدت كل مدينة على الاكتفاء الذاتي اقتصاديا، كما كان لكل مدينة نظامها السياسي الخاص وحكومتها المستقلة سياسيا، ودينها وحضارتها المتيزة ثقافيا، وأشهر مدنها مدينتي إسبرطة وأثينا، حيث تقع مدينة أثينا في شرق بلاد اليونان، مما جعل منها البوابة التي يدخل من خلالها ترف وحضارة مدن آسيا الصغرى إلى المدن الإغريقية الناشئة، وكانت تملك ميناء وأسطولا تجاريا بحريا كبيرا، بعد أن حولت أسطولها العسكري الذي ساهمت به إلى جانب إسبارطة لصد أطماع الفرس الاستعمارية زمن داريوس، فأصبحت من أعظم المدن التجارية في العالم القديم.
الإطار الزماني
لقد ظهرت البوادر الأولى للتفكير الفلسفي في بداية القرن 6 ق.م في مدينة ملطية على ضفاف آسيا الصغرى، حيث أقام الأيونيون مستعمرات غنية ومزدهرة، وقد كان ظهورها على يد طاليس، وأنكسمندر، وأنكسمانس، الذين أرجعوا أصل الكون إلى قوى طبيعية: الماء، الهواء…، لكن الفلسفة بشكلها المكتمل لم تظهر إلا في القرن 4 ق.م بأثينا مع فلاسفة اليونان الكبار سقراط، أفلاطون، أرسطو.
فعل النشأة
لقد نشأت الفلسفة بفعل توفر سلسلة كاملة من الشروط في بلاد اليونان، ما بين القرنين 8 و4 ق.م وهي:
- على المستوى الاقتصادي: نظرا لارتباط الإغريق بالبحر فقد ازدهرت لديهم الملاحة والتجارة والصناعة، مما أدى إلى بروز تقسيم العمل والمبادرة الفردية الحرة، كما ظهر النقد في المبادلات التجارية بدل المقايضة.
- على المستوى الاجتماعي: ظهور الطبقات الاجتماعية نتيجة تقسيم العمل (الأحرار/العبيد) إضافة إلى ظهور المدينة – الدولة، التي سمحت ببزوغ عقلية جديدة، وقد اتسمت بالانسجام والتناغم، سواء على صعيد الفضاء الهندسي أو الجماعة البشرية التي تقطنها.
- على المستوى السياسي: لقد تميزت المدينة اليونانية بسيادة الديمقراطية التي تمثلت في المساواة بين المجال الحضري والمجال القروي الذي كانت تشمله، فللقرويين والحضريين نفس الحقوق ونفس الواجبات، حيث يحتكمون إلى نفس المحاكم، ينتخبون نفس النواب، ويجتمعون تحت قبة نفس البرلمان.
- على المستوى الثقافي: لقد كانت الثقافة مشتركة ومشاعة بين اليونانيين، ولم تعد امتيازا لبعض العائلات أو بعض الأدباء والمثقفين، نتيجة انتشار الكتابة الأبجدية التي أتاحت للمواطنين جميعا تعلم القراءة والكتابة، كما أن المجال كان مفتوحا أمامهم للمشاركة في الحفلات والحضور إلى المسارح للاستمتاع بجميع الإبداعات الفنية والأدبية.
- على المستوى الفكري: لقد كان للديمقراطية السياسية، وإشاعة الثقافة تأثير على تطور الأفكار عند اليونان، فبعد أن كانت الحقيقة تعد سرا غيبيا يوحى، محروسا من قبل أسر معينة، صارت المعارف والتقنيات الذهنية معروضة أمام الجميع وفي واضحة النهار، وأصبحت قواعد العمل السياسي المتمثلة في الإشهار والنقاش الحر والحجاج، قواعد للفكر كذلك، تتجلى في نشر المذاهب والنظريات، وإخضاعها للنقد والمناظرة، وإعطاءها صورة استدلالية برهانية، وهذه هي مظاهر التفكير الفلسفي.
استنتاج
إن الفلسفة ليست معجزة إغريقية خص بها آلله اليونان دون غيرهم من الشعوب والأمم، وإنما هي ظاهرة تاريخية جاءت نتيجة تفاعل عدة شروط تاريخية: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ثقافية.
لحظات أساسية في تطور الفلسفة
إن الفلسفة ليست استثناء يونانيا، بل إن هذا الشكل من التفكير الإنساني قد ظهر في حضارات ومجتمعات أخرى بعد أفول الحضارة اليونانية، كالحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الأوربية.
- فما هي خصائص الفلسفة الإسلامية؟
- وبما تتميز الفلسفة الغربية الحديثة؟
- وما هي القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة؟
الفلسفة الإسلامية
تمهيد
لقد أنشأ الخليفة العباسي المأمون "بيت الحكمة"، وأمر بترجمة كل العلوم والمعارف اليونانية وعلى رأسها الفلسفة، مما أتاح للكثير من المفكرين العرب والمسلمين التعرف على التفكير الفلسفي، فاستوعبوه وأبدعوا فيه، فتمخض عن ذلك ظهور الفلسفة الإسلامية.
- فما هي الفلسفة الإسلامية؟
- وما علاقتها بالدين الإسلامي؟
- وما موقف الشرع من التفكير الفلسفي؟
ماهية الفلسفة الإسلامية
تعتبر الفلسفة من أسمى الإبداعات الفكرية البشرية، ويعرفها الكندي بكونها معرفة حقائق الأشياء حسب قدرة الإنسان، لأن غاية الفيلسوف هي توخي الحقيقة على مستوى علمه وعمله، وأعلى درجة من درجات التفلسف هي الفلسفة الأولى (الميتافيزيقا)، التي تعنى بمعرفة الحقيقة الأولى (آلله)، التي هي سبب كل الحقائق الأخرى، لأن علم العلة أي السبب، أهم من علم المعلول أي النتيجة.
العلاقة بين الفلسفة والدين
إن الأفكار الواردة في الملة الفاضلة (الدين) كلها حقائق، والحقيقة في نظر أبو نصر الفارابي هي ما تيقن منه الإنسان إما عن طريق البداهة أو ببرهان، والملة الفاضلة شبيهة بالفلسفة، وبما أن الفلسفة فيها جزء عملي وآخر نظري، فإن الجزء العملي من الفلسفة هو الذي يعطي براهين (أسباب، وشروط، وغايات) الأفعال الواردة في الملة، كما أن الجزء النظري من الفلسفة هو الذي يعطي براهين الأفكار الواردة في الملة الفاضلة، إذن فالفلسفة حسب الفارابي، هي التي تعطي براهين ما تحتوي عليه الملة الفاضلة.
موقف الشرع من الفلسفة
مدخل
لقد تم القضاء على الفلسفة في المشرق بسبب الحملة المعادية التي تعرضت لها على يد الكثير من الفقهاء والعلماء، وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي الذي ذهب إلى حد تكفير الفلاسفة في كتابه «تهافت الفلاسفة»، لكنها انبعثت من جديد في المغرب ووصلت أوجها على يد ابن رشد الذي دافع عن ممارسة التفلسف، ورد على الغزالي فلسفيا في كتابه "تهافت التهافت"، وفقهيا في كتابه "فصل المقال".
الفلسفة عند ابن رشد
إن التفلسف في تصور أبو الوليد بن رشد هو نظر عقلي وتأمل في الموجودات، لغاية معرفة صانعها (آلله)، وذلك بواسطة الاعتبار، أي استخراج المجهول من المعلوم، وهو المسمى برهانا، لأنه كلما كانت معرفتنا بالصنعة أتم، كانت معرفتنا بالصانع أكمل.
فتوى ابن رشد
إن التعاطي للفلسفة حسب ابن رشد هو أمر مأمور به من جهة الندب (مستحب) بالنسبة لعامة الناس، ودليله في ذلك الآية التالية ﴿ أَولَم ينظُروا في ملَكُوت السّماوات والأَرضِ وما خلَق آللهُ من شيءٍ ﴾، ومن جهة الوجوب (فرض) بالنسبة للعلماء، ودليله في ذلك الآية التالية ﴿ فاعتبِروا يا أُولي الأَبصارِ ﴾.
استنتاج
إن العلاقة التي ربطت الفلسفة الإسلامية بالدين الإسلامي هي علاقة توافق وتكامل، على عكس الفلسفة اليونانية التي كانت متناقضة ومتصارعة مع الأساطير والمعتقدات الدينية لدى اليونان.
الفلسفة الغربية الحديثة
تمهيد
شهدت أوربا انطلاقا من عصر النهضة تطورا شاملا تمثل في تطور الرأسمالية اقتصاديا، وصعود البورجوازية اجتماعيا، وظهور الدولة الوطنية، وانتشار الحرية والديمقراطية سياسيا، وتشجيع الإبداع والعلوم، وانتشار المذاهب الفكرية ثقافيا، في خضم هذه التطورات ظهرت الفلسفة الغربية الحديثة انطلاقا من رافدين فلسفيين وهما رافد يوناني يتمثل في الرجوع إلى التراث الفلسفي اليوناني قصد غربلته، وإعادة إحياءه، ورافد إسلامي يتمثل في الاستفادة من إضافات وإبداعات الفلسفة الإسلامية، وخاصة الرشدية منها.
- بماذا تتميز الفلسفة الغربية الحديثة؟
- ما هي الخطوات التي ينبغي إتباعها للوصول إلى الحقيقة؟
الفلسفة العقلانية الديكارتية
إذا كان عامة الناس يصلون إلى الحقيقة بواسطة بحوث مضطربة تعتمد على الصدفة، فإن الفيلسوف في نظر رونيه ديكارت يصل إليها بواسطة منهج يعتمد قواعد يقينية، يبدأ بدراسة الأمور البسيطة والمنظمة، لينتهي إلى معرفة الأشياء المعقدة والصعبة.
الفلسفة النقدية الكانطية
إن العقل في تصور إيمانويل كانط عبارة عن مبادئ وتخطيطات خاصة تصدر أحكاما وفق قوانين ثابتة وضرورية، وينبغي عليه أن يتجه نحو الطبيعة ماسكا بإحدى يديه مبادئه، وباليد الأخرى التجربة، وأن يرغمها على الإجابة عن أسئلته لكي يبني الحقيقة.
الفلسفة الجدلية الهيغلية
لقد أحدث فريدريك هيغل منهجا ثلاثي الأبعاد في المعرفة أطلق عليه اسم الديالكتيك (الجدل)، يتكون من ثلاث لحظات وهي: القضية، نقيض القضية، التركيب، ينطلق من القضية التي تدخل في صراع مع نقيض القضية، فيصدر عنهما تركيب، هذا التركيب يتحول بدوره إلى قضية تدخل في صراع مع نقيض القضية، فيصدر عنهما تركيب، وهكذا دواليك.
استنتاج
إذا كان مركز الاهتمام في الفلسفة الإسلامية يتمثل في معرفة آلله، فإن الفلسفة الغربية الحديثة قد اهتمت أكثر بالإنسان، وقدرة الذات على الوصول إلى الحقيقة.
الفلسفة المعاصرة
تمهيد
إن التاريخ المعاصر الذي يعيشه العالم الآن قد بدأ انطلاقا من منتصف القرن 19م مع الثورة الصناعية بإنجلترا، وسيادة ظاهرة الاستعمار، وقد وصل حاليا إلى مرحلة تسمى العولمة، وقد تميزت هذه الفترة بسيادة العلم وسيطرة التكنولوجيا، والاهتمام أكثر بحقوق الإنسان، في هذا السياق الدولي ظهرت الفلسفة المعاصرة التي اتخذت بعدا كونيا.
- فما هي القضايا التي اهتمت بها الفلسفة المعاصرة؟
الفلسفة والعلم
إن المعرفة العلمية في تصور إدغار موران ليست انعكاسا للواقع، بل ترجمة له، تحوله إلى نظريات متغيرة قابلة للتكذيب، لأن النظريات العلمية فانية، إن المعرفة العلمية تتطور على المستوى التجريبي بمراكمة «الحقائق»، وعلى المستوى النظري بإلغاء الأخطاء، إن العلم إذن هو معركة من أجل بلوغ الحقيقة من خلال الصراع مع الخطأ.
الفلسفة والإنسان
إن الإنسان في نظر جان بول سارتر كائن يتميز بخاصية أساسية هي الحرية التي تتمثل في قدرته على أن يخلق من ذاته ما يشاء في المستقبل، وإرادته في الاختيار بين كل الإمكانات المتاحة أمامه، كون هذه الحرية مرتبطة بالمسؤولية، وهي ليست مسؤولية اتجاه ذاته فقط، بل مسؤولية تجاه الإنسانية جمعاء، لأن الإنسان لا يختار الشر، بل ما يختاره دائما هو الخير لذاته ولجميع الناس.
الفلسفة والحقيقة
إن الحقيقة في تصور فريديريك نيتشه هي مجموعة حية من الاستعارات والمجازات والتشبيهات بالإنسان، لكن مع طول استعمالها غدت تتميز بالشرعية والسلطة والإكراه، إن الحقائق أوهام نسينا أنها كذلك، إن الحقيقة تقتل، بل إنها تقتل نفسها كذلك عندما تكتشف أنها عبارة عن أوهام.
استنتاج
إن الفلسفة عندما ظهرت كانت غايتها هي البحث عن الحقيقة، لكن هذه القضية ظلت محور اهتمامها إلى حدود الفترة المعاصرة.
استنتاج حول المحور
إن الفلسفة منذ ظهورها قد عالجت قضايا متنوعة، لكن كانت تركز في كل فترة على قضية معينة أكثر من غيرها من القضايا، فالفلسفة اليونانية اهتمت بحقيقة الوجود، في حين ركزت الفلسفة الإسلامية على الأمور الدينية، أما الفلسفة الحديثة فقد كرست جهدا كبيرا لوضع منهج يوصل إلى الحقيقة، وأخيرا نجد الفلسفة المعاصرة اهتمت أكثر بنقد المعرفة العلمية.
مظاهر فعل التفلسف
تمهيد
إن كنا نقصد بالتفلسف طرح أسئلة حول حقيقة الذات والوجود، فإننا سنجده عند كل الناس، لأن كل فرد يطرح مثل هذه الأسئلة على ذاته، بل سنجده حتى عند الأطفال، أما إن كنا نقصد به طريقة خاصة في التفكير تختلف عن الطرق أخرى كالتفكير الخرافي – الأسطوري – الديني، والتفكير العلمي…، فإن للفلسفة معالم ومظاهر تميزها عن باقي الأشكال الأخرى من التفكير.
- فما هي المظاهر الأساسية التي تميز التفكير الفلسفي؟
العقلانية في التفكير
إن التفكير الفلسفي يقدم ذاته كتفكير عقلاني، أي تفكير مبني على العقل، والعقل في تصور أرسطو ينبني على أربعة مبادئ أساسية وهي:
مبدأ الهوية
أ هي هي أ، ويقضي بأن الشيء يكون دائما مطابقا لذاته، فالجبل هو هو الجبل وليس نهرا، والوجود هو هو الوجود وليس عدما.
مبدأ عدم التناقض
لا يمكن ل: أ أن تكون في نفس الوقت لا – أ ، ويقضي بأن النقيضين لا يجتمعان، وأن القضية ونقيضها لا يكونان معا صادقتين، بل إذا كانت أحدهما صادقة كانت الأخرى كاذبة بالضرورة، إذا كانت القضية أ = ب قضية صادقة، فإن نقيضها أ ≠ ب تكون قضية كاذبة بالضرورة.
مبدأ الثالث المرفوع
بين أ و لا – أ لا وجود لطرف ثالث، ويقضي بأنه لا وسط بين الصدق والكذب، فإما أن تكون قضية ما صادقة، وإما أن تكون كاذبة، ولا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة في آن واحد، ومن جهة واحدة.
مبدأ السبب الكافي
لا شيء من لا شيءـ ويقضي بأنه لا يمكن لأي قضية أن تكون صادقة، ولا لواقعة أن تكون موجودة، دون سبب كافي يبرر لماذا تكونان على هذا النحو وليس على نحو آخر، وهو الذي يسمى بمبدأ العلية (السببية)، أي أن كل شيء موجود، الكرسي مثلا، لابد له من أربع علل وهي:
- العلة المادية: المادة التي صنع منها الكرسي، أي الخشب.
- العلة الصورية: صورة الكرسي، أي شكله وهيئته.
- العلة الفاعلة: الصانع الذي صنع الكرسي، أي النجار.
- العلة الغائية: الغاية التي من أجلها صنع الكرسي، أي الجلوس.
الدهشة الفلسفية
إذا كان الإنسان العادي يندهش من الظواهر الغريبة، فإن الفيلسوف يندهش من الأمور المألوفة والعادية، مثل الاندهاش من وجوده الخاص، ووجود العالم من حوله، إن الاندهاش من الظواهر العادية هو الذي يدفع الإنسان إلى التفكير الفلسفي، حسب شوبنهاور، إن الدهشة الفلسفية هي نتيجة لعدة شروط وهي:
- درجة عالية من استعمال العقل.
- الأمور المتعلقة بالموت.
- التفكير في الألم.
- التفكير في بؤس الحياة.
منهج الشك
لقد قدم لنا رونيه ديكارت منهجا إذا ما التزمنا بخطواته وشروطه سنصل حتما إلى الحقيقة، وهذا المنهج هو منهج الشك، أي الشك في كل الأحكام المسبقة، سواء التي ورثناها أو تلقيناها من العالم الخارجي، وخاصة تلك التي تبدو معقدة وغامضة، والتي تتشبث بنفوسنا تشبثا كبيرا، وأن لا نقبل إلا الأفكار البسيطة والبديهية، أي الواضحة بذاتها والتي لا تحتاج إلى برهان، فهذه الأفكار وحدها يمكن اعتبارها أفكارا حقيقية.
البحث عن الحقيقة
إن الفلسفة على حد تعبير اليونانيين نوع من المغامرة الاستكشافية التي نقوم بها لذاتها، إن جوهر الفلسفة هو البحث عن الحقيقة لا في امتلاكها، إن الاشتغال بالفلسفة حسب ياسبرز معناه المضي في الطريق، والأسئلة في الفلسفة أكثر أهمية من الأجوبة، فكل جواب يصبح بدوره سؤالا جديدا.
استنتاج
إن التفكير الفلسفي ينبني على أساس العقل، ويتخذ الشك منهجا له، وإذا كان دافعه الاندهاش من الأمور العادية، فإن غايته هي البحث عن الحقيقة.
أدوات التفكير الفلسفي
تقديم
إذا كانت الفلسفة طريقة خاصة في التفكير كما ذهب إلى ذلك فريدريك هيغل، فإن هذا الشكل من التفكير له معالمه التي تميزه عن باقي الأشكال الأخرى من التفكير، وله نمط اشتغاله الذي يرتكز على مجموعة من الآليات والتقنيات الخاصة بالفلسفة.
- فما هي الأدوات التي يستعملها التفكير الفلسفي؟
طرح السؤال
إن أهم أداة يقوم عليها التفكير الفلسفي هي السؤال، ويختلف السؤال الفلسفي مثل «ما هو الوجود؟»، عن السؤال العادي مثل «أين توجد المحطة؟»، بكون الأول يتجه نحو الأسس العميقة للموضوعات التي يعالجها، إن الأسئلة الفلسفية في نظر راسل تعمل على إغناء تصورنا للممكن، وإثراء خيالنا العقلي، كما تحارب نظرتنا الدوغمائية (المتحجرة) التي تؤدي إلى انغلاق فكرنا، وتعمل في المقابل على توسيع هذا الفكر ليصبح بشساعة الكون الذي يتأمله.
بناء المفهوم
يكمن موضوع الفلسفة حسب جيل دولوز في بناء وإبداع مفاهيم جديدة بواسطة الحدس، وتكون قادرة على حمل تصورات الفيلسوف الخاصة، إن المفهوم هو الأداة التي تنقل اللغة من مستواها العادي والطبيعي، إلى مستواها الفلسفي المجرد.
البرهنة والحجاج
تعتبر البرهنة والحجاج حسب كوسيطا من الأدوات المهمة في التفكير الفلسفي.
- البرهنة: إن البرهنة هي إقامة علاقة ضرورية بين المقدمات والنتائج، ونبحث فيها عما إذا كان الاستدلال يأخذ صورة القياس ويستجيب لمقتضيات المنطق.
- الحجاج: يبحث الحجاج عما إذا كانت قضية ما صادقة أو خاطئة بالنسبة للمتحاور، كما يهتم بكيفية تسلسل القضايا داخل النص.
النسقية
إن النسق في نظر إيمانويل كانط عبارة عن وحدة معارف مختلفة، خاضعة لفكرة تتمثل في المفهوم العقلي لصورة الكل، إلا أنه داخل هذا الكل تتحدد كل عناصره المختلفة، كما تتحدد مكانة كل عنصر على حدة، إذن فالنسق شكل عضوي، وليس مجموعة مبعثرة.
استنتاج
للتفكير الفلسفي أدوات خاصة به وهي: السؤال، المفهوم، النسق، البرهنة والحجاج…، وتشكل كلها سلسلة متكاملة تسهم في معرفة واستكشاف حقيقة الإنسان والوجود.
استنتاجات عامة حول مجزوءة الفلسفة
إن الفلسفة ظاهرة تاريخية نتجت بفعل تضافر مجموعة من العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، الثقافية، وقد شهدت في تاريخها عدة مراحل، حيث اهتمت في المرحلة اليونانية بالقضايا الأنطولوجية (الوجودية)، في حين ركزت في المرحلة الإسلامية على العلاقة بين الفلسفة والدين، أما في الفترة الحديثة فقد كرست مجهودها لصياغة منهج يوصل إلى الحقيقة، لتنتهي في العصر الحالي إلى دراسة العلم والتقنية.
إن الفلسفة باعتبارها معرفة إنسانية، تتميز عن باقي الأشكال الأخرى من المعرفة بمجموعة من المظاهر، وعلى رأسها: العقلانية، أي ارتكاز التفكير الفلسفي على مبادئ المنطق، واعتمادها على منهج الشك، أي مراجعة كل قناعاتنا السابقة، ووضعها موضع تساؤل، إن الدافع الأساسي للتفلسف هو الاندهاش من الظواهر المألوفة والاعتيادية، أما غاية الفلسفة فهي البحث عن الحقيقة.
إن الفلسفة طريقة خاصة في التفكير تعتمد على مجموعة من الأدوات وعلى رأسها السؤال الفلسفي، والمفهوم، وهو الأداة التي تنقل لغة الفيلسوف من مستواها العادي والطبيعي إلى مستواها النظري المجرد، والبرهنة والحجاج، وهي آليات يوظفها الفيلسوف للدفاع عن مواقفه وتصوراته، وأخيرا النسقية التي تضفي على الأفكار الفلسفية نوع من الوحدة والتكامل.
إن الفلسفة تسعى إلى إنتاج قيم إنسانية نبيلة ومثل عليا باعتبارها غايات قصوى للوجود الإنساني، مثل: الإيمان بالاختلاف، والحوار، والتسامح والتعايش، ونبذ التعصب، واحترام حقوق الإنسان، والمرأة، والطفل، وذي الاحتياجات الخاصة… وهذا ما يوضح أن الفلسفة ليست مجرد ترف فكري لا علاقة له بالواقع الإنساني، بل هي معرفة مرتبطة بحياة الإنسان وسلوكاته.