مفهوم التواصل - مدخل مفاهيمي
مفهوم التواصل
التواصل لغةً هو الاقتران والاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام، وتعني إنشاء علاقة ترابط وإرسال وتبادل، وتوَاصلَ الصَّديقَانِ، أي واصلَ أَحدُهما الآخرَ فِي اتِّفَاق ووئام: اجْتمَعا، اتَّفَقا، وتواصَلَ الحديثُ حَوْلَ الْمَائِدَةِ: أي تَوَالَى، وتواصلتِ الأشياء، أي تتابعت ولم تنقطع.
أما التواصل اصطلاحاً فهوعمليّة نقل للأفكار والتجارب وتبادل المعارف بين الأفراد والجماعات، وقد يكون التواصل ذاتياً بين الإنسان ونفسه أي حديث النفس، أو جماعياً بين الآخرين، وهو مبنيٌّ على الموافقة، أوالمعارضة والاختلاف، كما ويُعدُّ جوهر العلاقات الإنسانيّة وهدف تطويرها؛ لذلك يوجد وظيفتان رئيسيتان للتواصل: وظيفة معرفيّة متمثلة في نقل الرموز الذهنيّة وتوصيلها بوسائل لغويّة، وغير لغويّة، ووظيفة وجدانيّة تقوم من خلال تقوية العلاقات الإنسانيّة.
أهميّة التواصل
التواصل هو وسيلة لفهم النّاس، فالإنسان يحتاج إلى أن يتواصل مع غيره حين يريد أن يستعلم عن شيءٍ معين، كما هو وسيلة لفهم طبائع النّاس، فالإنسان قد يسمع الكثير عن شخصٍ معيّن، ولكن حصول تواصل مباشر بينها قد يجلّي حقائق كثيرة عن الشّخص لم تستطع الأخبار نقل صورةٍ صحيحةٍ وحقيقيّة عنها، وفي الأثر ليس الخبر بالمعاينة، أي أنّ رؤية الشّخص أو الشّيء غير السّماع عنه، وبالتّالي فإن أهميّة التواصل تكمن في أنّها تجلّي كثيراً من الحقائق التي قد تكون ملتبسة، كما أنّها تتيح للإنسان رؤية الصّورة الحقيقيّة التي لا زيف فيها للشّخوص والأشياء.
التّواصل يعدّ وسيلة لتحقيق الأهداف وإنجاز الأعمال، فالإنسان حين يضع نصب عينه هدفًا معيّنًا فإنّه لا يستطيع تحقيقه بدون أن يتواصل مع غيره من النّاس، فجهود النّاس مسخّرة لخدمة بعضها البعض، كما أنّ سنّة الحياة الدّنيا مبنيّةً على التّعاون وتبادل الخبرات والمهارات بين النّاس فكلّ واحدٍ لديه شيء يميّزه عن أخيه؛ وبالتّالي يشكّل التّواصل فرصةً لتبادل المهارات والخبرات التي تؤدي بالنّتيجة إلى تحقيق الأهداف وإنجاز الأعمال.
كما أنّ التواصل يعدّ وسيلة لإيصال الرّسالة، فقد استخدم الأنبياء أسلوب التّواصل مع أقوامهم من أجل إيصال رسالة الله سبحانه وتعالى للبشر وتبليغ شرائعه وتعاليمه للنّاس، كذلك يستخدم المعلم والمربّي أسلوب التّواصل حين يريد إيصال رسالة التّعليم إلى طلابه وشرح العلوم المختلفة لهم، وهذا الأسلوب ينطبق على كثيرٍ من النّاس الذين يحملون رسالة نبيلة في حياتهم ويودّون توصيلها إلى النّاس.
التّواصل كذلك وسيلة لحلّ المشكلات والخلافات بين النّاس، فالإنسان السّاعي بالخير والإصلاح بين النّاس يتواصل مع المتخاصمين من أجل أن يصلح ذات البين بينهم. وهو أيضاً أسلوب يستخدمه السّياسيّون وأصحاب البرامج، فالسّياسي الذي يطمح في الوصول إلى المناصب السّياسية في الدّولة مثل نواب الشّعب يستخدم أسلوب التّواصل مع قاعدته الشّعبيّة من أجل شرح برنامجه السّياسي وما ينوي فعله من أجل خدمة النّاس وحسن إدارتهم.
أنواع التواصل
التواصل اللساني
أي عن طريقِ اللغة، وهي مجموعة من العلامات والإشارات التي هدفها التواصل أثناء اتحاد الدال والمدلول بنيوياً، وتقاطع الصورة السمعيّة مع المفهوم الذهنيّ، ويذكر ابن جني في كتابه الخصائص بأنَّ اللغة هي أصوات يستخدمها قوم للتعبير عن أغراضهم واحتياجاتهم، وهذا يعني تقسيم اللغة إلى: الكلمات، والكلمات بدورها تنقسمُ إلى أصوات، ومقاطع صرفيّة، ولكن الأصوات لا يمكن تقسيمها إلى وحدات، لأنَّ الصوت مقطع لا يقبل التجزئة، فإذا جمَّعنا الكلمات تُصبح جُمَلاً، والجُمل تصبح فقرات ومتواليات، والفقرات تصبح نصاً، ويكون النص عبارة عن تأليفٍ والذي هو اللغة، ومن أنماطه: التواصل مع الذات عن طريق وعي الذات بوجودها، وماهيتها، ووعيها الداخليّ للعالم ونمط التواصل بين الفرد والآخرين، لأن فهم الآخر يساعد الفرد على فهم نفسه، وتنمية الروح المشاركة بينه وبين الجماعات.
التواصل غير اللفظي
إنّ النظر في السلوكات غير اللفظيّة في علوم التربيّة كان أحد أهداف علماء النفس والاجتماع، وذلك لفهم التواصل في إطار الديداكتيكيّة من جميع جوانبها خاصة الجانب السيكواجتماعيّ، أي الآثار المعرفية والوجدانية التي تحدثهما السلوكات غير اللفظية؛ ونظراً لأهميتها التربويّة في توضيح السلوكيات اللفظية لم تعد هذه الحركات قاصرة على اللغة الطبيعيّة، فهي تُكمل وظيفتها، وتوضحها عن طريق التشخيص والتجسيد؛ لذلك ينبغي النظر إلى السلوكيات غير اللفظيّة بمنظار بُنيويّ كليّ متفاعل مع جميع السلوكيات الأخرى، لما لها من تأثير ايجابيّ أو سلبيّ على الفرد.
الأهداف الأساسيّة للتواصل
- تشخيص المشاكل، وحلّها بالطرق المناسبة.
- الدخول في العملية التربوية والتعليمية، وتسهيل عملية التدريب وتعلّم المهارات الجديدة.
- تقديم النصائح والإرشادات بالإضافة إلى إعطاء التوجيهات التي تزيد فعالية العمل.
- التغيير الإيجابيّ للسلوك العام، وتغيير المبادئ أو القناعات أو القيم المترسخة في العقل.
- تحسين عملية الفهم والاستيعاب.
- تسهيل عملية اتخاذ القرارات المختلفة.
- التعبير والإفصاح عن كلّ ما يجول في النفس من مشاعر وأفكار.
- المساعدة في الأبحاث العلمية المختلفة.
- تبادل المعلومات المختلفة، وذلك من خلال تقديمها من الطرف المرسل، والحصول عليها من الطرف المستقبل.
ضوابط التواصل
للتواصل عدة ضوابط هي:
- ضوابط التبليغ والإرسال: تشمل هذه الضوابط على العديد من الأمور كحسن البيان، والتعامل برفق مع المتلقي، والتخاطب معه بالحسنى، والنطق بالألفاظ الطيبة عند الحديث مع الآخرين.
- ضوابط التلقي والاستقبال: وتضم هذه الضوابط على حسن الاستماع للآخرين، وحسن الإقبال على الطرف المخاطب، وتجنب المقاطعة عند قيام الطرف المقابل بالحديث في أي موضوع كان.
عوائق التواصل
هناك مجموعة من العوائق النفسية والسلوكية التي تعيق التواصل وهي:
العوائق النفسية
وهي عبارة عن مجموعة من الأحاسيس والأفكار السلبية التي تدفع الشخص إلى الامتناع عن التواصل الفعال مع غيره، وهذه العوائق على نوعين، وهما:
- عوائق الإرسال: وتتضمن هذه العوائق على مجموعة من الصفات السلبية التي يحملها الشخص؛ كالتعالي، والغرور بالنفس، وسوء الظن بالآخرين.
- عوامل الاستجابة: وتشمل هذه العوامل عدة صفات كالكبر والجحود، بالإضافة إلى شعور الشخص بدونية الآخرين.
العوائق السلوكية
وهي عبارة عن عدة صفات منفرة، وتنقسم إلى نوعين هما:
- عوائق التبليغ: وهي تضم تصرفات الشخص المنفرة؛ كالغضب والانفعال، والتعامل مع الآخرين بعنف وجبروت.
- عوائق التلقي: وهي التي تشمل على تصرفات معينة للشخص مع الآخرين كالتعامل معهم بالاستهزاء والإعراض والغفلة.