رحلة الفرسيوي
النص القرائي
في رحلته القاسية من الريف، قضى الفرسيوي ستة أشهر وستة أيام، مر فيها عبر مساحات شاسعة من الغابات والحقول والقرى، نام في مساجد كثيرة، وأكل من صدقات كثيرة، وما أكثر المرات التي مال فيها إلى الإقامة في مكان ما أعجبته أشجاره أو استأنس بعجائزه وأطفاله! ولكن، ما كان يعزم على ذلك حتى يجد نفسه عاجزا عن التفكير في بناء بيت أو حرث أرض. كان ينظر إلى أبناء أخيه الذين يجلسون في الشواري يمضغون الكرموس الجاف، يبكون ويتشاجرون، ويضحكون كأنهم فراخ نسر في عشهم فيقرر الرحيل فورا. ربما كانت الإقامة في حد ذاتها تفزعه، لأنها تعني التسليم بفقدان الأرض التي تركها هناك، وهو لم يقصد بهجرته سوى التحايل على الوقت، ريثما تنتهي سنوات الجدب، وينسى ذلك الثأر الذي أكل جل أفراد عائلة الفرسيوي. بل إنه لم يفك في شيء ولا قصد شيئا. اتجه الفرسيوي بتلك السلالة الصغيرة جنوبا باتجاه ما كانت تسميه قبائل الريف غربا، عبر الجبال الوعرة والممرات الجرداء، شهورا طويلة قاسية، حتى طالعته قباب فاس وسطوحها البيضاء ومآذنها، فتطلع الأطفال من عيني الشواري وجالوا بعيونهم الواسعة، وسحنتهم الصفراء في الألوان والزحام، وأطلق سلام أكبرهم ضحكات عصبية متقطعة قلدها إخوته بهمهمات ونداأت مبهمة. ظل يوما كاملا في دوخة هذه الضجة، وعندما وجد الطريق إلى زرهون حث الجمار الأشهب، وهوى على مؤخرته بضربات سريعة اهتز لها الأطفال فطفقوا يصرخون من جديد، ولكنه استمر في عدوه حتى نأى عن ضجة المدينة وارتسمت الطريق أمامه زيتونا وكروما وغابات، عند ذلك توقف لأخذ نفس جديد قبل أن يستأنف الرحلة، وقد خضته تجربة المدينة الأولى وملأته فجأة برغبة في الجلوس على صخرة الجماعة وتقديم حكايته للجالسين. محمد الأشعري، جنوب الروح، منشورات الرابطة |
عتبة القراءة
ملاحظة مؤشرات النص الخارجية
صاحب النص (محمد الأشعري)
ولد بزرهون سنة 1951، سياسي وشاعر وروائي مغربي، اشتغل بالصحافة والمجال السياسي الذي قاده إلى مسؤوليات نيابية وحكومية، منها تولي منصب وزير الثقافة، تلقى دراسته الابتدائية والثانوية بزرهون ومكناس ثم بكلية الحقوق بالرباط وتخرج منها عام 1975، يدير مجلة «آفاق» ويشتغل صحفياً بجريدة «الاتحاد الاشتراكي،» تحمل مسؤولية اتحاد كتاب المغرب منذ 1989، نشر ديوانه الشعري الأول سنة 1978، له عشرة دواوين ومجموعة قصصية ورواية واحدة «القوس والفراشة»، الحاصلة على جائزة البوكر العربية، ومن مؤلفاته: صهيل الخيل الجريحة – عينات بسعة الحلم – يومية النار والسفر – سيرة المطر – مائيات – يوم صعب – القوس والفراشة.
مجال النص
النص ينتمي إلى المجال السكاني.
نوعية النص
نص سردي / حكائي ذو بعد سكاني.
العنوان (رحلة الفرسيوي)
- تركيبيا: مركب اضافي يتكون من مضاف (الرحلة) ومضاف إليه (الفرسيوي) ويمكن أن يتحول إلى مركب إسنادي بتقدير المبتدأ المحذوف (هذه رحلة الفرسيوي).
- معجميا: ينتمي العنوان إلى المجال السكاني.
- دلاليا: يوحي العنوان بالتنقل من مكان لآخر، وأن شخصا يدعى الفرسيوي هو من قام بهذه الرحلة، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن عناصر الرحلة كما رأيناها في مهارة التعبير والإنشاء، وهي: نقطة الانطلاق – الوجهة – الرفقة – الأماكن التي تم المرور منها ...
بداية النص ونهايته
- بداية النص: تشير إلى نقطة انطلاق رحلة الفرسيوي ومدتها ووجهتها وأماكن العبور.
- نهاية النص: تشير إلى تعلق الرحالة بالمكان الذي زاره.
بناء فرضية القراءة
اعتمادا على المؤشرات السابقة نفترض أن موضوع النص سيتناول الحديث عن رحلة الفرسيوي.
القراءة التوجيهية
الايضاح اللغوي
- التحايل: تحايل على الشيء سلك معه مسلك الحذق ليبلغ منه مأربه، والمقصود: إرجاء لوقت ريثما تنتهي سنوات الجفاف.
- الجرداء: القاحلة.
- نحل: ملل.
- مبهمة: غامضة.
- ناء: بعد.
- طفقوا: ِ طفق يفعل كذا بدأ في الفعل واستمّر فيه.
الفكرة المحورية للنص
هروب الفرسيوي من جفاف القرية وثأر أهلها، ومعاناته النفسية والجسدية عند هجرته ..
القراءة التحليلية للنص
المستوى الدالي
القضية التي يعالجها النص
يعالج النص قضية الهجرة القروية، وذلك من خلال التركيز على:
- معنى الهجرة القروية: وهي الانتقال من القرية إلى المدينة.
- أسبابها: تتنوع أسبابها بين ما هو اجتماعي (الثأر) وما هو طبيعي (الجفاف) وما هو اقتصادي ونفسي ...
- نتائجها: ينتج عنها اكتظاظ المدن وكثرة البطالة وافتقار القرى.
الألفاظ والعبارات الدالة على معاناة الفرسيوي في رحلته
- معجم الأمكنة: الريف – الغابات – الحقول – القرى – المساجد – جنوبا – قبائل الريف غربا – الجبال – الممرات – فاس – زرهون ...
- معجم قساوة رحلة الفرسيوي: رحلته القاسية – أولاد أخيه في الشواري يمضغون الكرموس الجاف – يبكون ويتشاجرون – الإقامة تفزعه – عبر الجبال الوعرة والممرات الجرداء – شهور طويلة قاسية – دوخة هذه الضجة – ضجة المدينة ...
المستوى الدلالي
أحداث النص
- وصف رحلة الفرسيوي القاسية ومعاناته في رحلته.
- هجرة الفرسيوي رفقة أبناء أخيه هربا من الجفاف والثأر.
- وصول الفرسيوي إلى المدينة ووصف معاناته وإحساسه بخيبة الأمل.
عناصر الرحلة
- اسم الرحالة: الفرسيوي
- نقطة الانطلاق: الريف
- أماكن العبور: الغابات – القرى الحقول – الممرات – القرى – مدينة فاس ...
- نقطة الوصول: مدينة زرهون
- مدة الرحلة: ستة أشهر وستة أيام
المستوى التداولي
الوصف والسرد
الوصف:
- وصف الأماكن التي مر بها الفرسيوي.
- وصف قساوة الرحلة.
- وصف حالته وحالة من يرافقه.
السرد:
- سرد كل ما يخص علاقة الفرسيوي بالأشخاص الذين إلتقاهم وفي الأماكن التي مر بها.
قيم النص
يتضمن النص قيمة سكانية وأخرى اجتماعية:
- قيمة سكانية: الهجرة مشكلة سكانية تعاني منها الكثير من المجتمعات وتؤدي إلى انخفاض الكثافة السكانية بالقرى وارتفاعها بالمدن.
- قيمة اجتماعية: تتجلى في المشاكل الاجتماعية المترتبة عن الهجرة كالفقر والبطالة والتشرد.
القراءة التركيبية
تحدث الكاتب محمد الأشعري عن رحلة الفرسيوي الاضطرارية بسبب توالي سنوات الجفاف، وما خلفته من موت ومرض ومجاعة، والتي انطلقت من منطقة الريف وانتهت بمدينة زرهون مرورا بمدينة فاس التي لم يعهد أجواءها، ووصف لنا الأماكن التي مر منها الرحالة رفقة أولاد أخيه والأشخاص الذين التقاهم والمعاناة التي تكبدها في مسار رحلته، كما سرد الأحداث والوقائع التي شهدتها هذه الرحلة سواء تعلق الأمر بما أنجزه أو ما شاهده أو ما سمع عنه، لكن النص انتهى دون أن يقترح حلولا للهجرة القروية. فما هي الحلول المقترحة للحد من هذه الهجرة ؟ لابد من تنمية القرى وتوفير شروط العيش الكريم بها، وتشجيع سكانها ودعمهم وتحفيزهم على البقاء في القرى.