الإسلام وحقوق الإنسان
النص القرائي
كل بني آدم مكرمون من الله، من آمن منه به، ومن لم يؤمن به، من أحسن منهم ومن أساء، والله في عطائه المتواصل لإسعادالبشرية لا يحرم من هذا العطاء المادي، لا كافرا ولا ملحدا ولا مذنبا﴿كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۩ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾. وللإسلام تجاه حقوق الإنسان تنظير خاص، فهو يعتبرها حقوقا للبشرية وحقوق الله أيضا. إن تخويلها لعباده كافة وبدون تمييز بينهم ولا تفريق، ممارسة من الله لحقوقه يكفل الإسلام حقوق الإنسان منذ تصوره جنينا بجسد وروح في بطن أمه، وقد منع الإخلال بحقوقه التي يصبح مستمدا لها مند التكوين. وتبتدئ بحقه في الحياة وهو جنين، فإجهاضه حرام وكذلك وأد البنات، كما منع الإسلام الانتحار احتراما لحق الإنسان في الحياة وندد به، وأطلق على المنتحر وصف المدبر أي الذي خسر دينه ودنياه. وضمن الإسلام حق الحريات بجميع أنواعها ومن بينها حرية العقيدة ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (سورة البقرة . الآية 256). وأمر تبع لذلك أن يبقى كل من يوجد في ديار الإسلام على دينه إن شاء، لأن الإسلام يعترف بالديانات السماوية كلها، فهو كما قال القرآن على لسان المسلمين : ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾. وقد تعايش الإسلام مع مختلف الديانات في المجتمع الإسلامي كما صان حقوققهم الدينية والسياسية والاجتماعية في الدستور الذي أعلنه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما استقر بالمدينة وسمي بالصحيفة وهو أول دستور مدون في العالم. ومن حقوق الإنسان التي أسسها الإسلام الحقوق المتصلة بالسلام والحرب، فمهما أمكن الوصول إلى السلام تحرم الحرب التي لا تشن في الإسلام إلا لرد عدوان بمثله: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (سورة البقرة . الآية 190)، كما حث الإسلام المسلمين على الأخذ بخيار السلام كلما أظهر العدو جنوحا إليه : ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (سورة الأنفال . الآية : 61). مما يعني أنه ينبغي أن لا يعتمد خيار الحرب إلا عند الضرورة القصوى. وأنصف الإسلام المرأة وكرمها وخولها حق المساواة بالرجل في الأحكام، فجميع أحكام الشريعة في القرآن والسنة موجهة إلى الرجل والمرأة بدون تمييز بينهما. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك : "النساء شقائق الرجال في الأحكام". وقد مارست المرأة في الإسلام حقوقها الدينية والسياسية والاجتماعية، فكانت مفتية في أمر الدين، ومفسرة للقرآن، وراوية للحديث، وضابطة شرطة، ومشرفة على تدبير شؤون السوق وشؤون الحسبة، وكانت عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أصدق مثال. وناهض الإسلام العنصرية وأبطل التمييز العنصري عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لإبيض على أسود ، وعندما استعمل لوظيفة الأذان – وهي من أهم الوظائف الدينيةء عبدا حبشيا أسود هو بلال بن رباح، وكان من بين صحابته المرموقين منحدرون من أعراق مختلفة كان من بينهم صهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وعندما أجاز زواج المسلم من نساء أهل الكتاب. فالإسلام منظومة متكاملة يمكن إطلاق اسم شريعة حقوق الإنسان عليها. وقد أصبحت تفاصيلها معروفة ومسلما بها، وهي تدخل في نظام التحرير العالمي الشامل الذي جاء به الإسلام. عبد الهادي بوطالب، مجلة عالم التربية، العدد 15، بتصرف |
عتبة القراءة
ملاحظة مؤشرات النص
التعريف بالكاتب (عبد الهادي بوطالب)
مراحل من حياته:
- مفكر وكاتب وسياسي وديبلوماسي مغربي.
- ولد بفاس سنة 1923.
- تخرج من جامعة القرويين.
- عمل أستاذا بالمدرسة المولوية.
- تقلد عدة مناصب وزارية.
- عمل سفيرا للمغرب بكل من بيروت ودمشق وواشنطن ...
- عمل أستاذا للقانون بجامعتي محمد الخامس بالرباط، والحسن الثاني بالدار البيضاء.
- توفي عام 2009.
أعماله ومؤلفاته:
- وزير غرناطة.
- الصحوة الإسلامية.
- نظرات في القضية العربية.
- حقيقة الإسلام.
- دور التربية في تنمية العالم الإسلامي وتضامنه.
- المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية.
- الشريعة والفقه والقانون.
مجال النص
النص ينتمي لمجال القيم الإسلامية.
نوعية النص
النص عبارة عن مقالة تفسيرية ذات بعد إسلامي.
العنوان (الإسلام وحقوق الإنسان)
- تركيبيا: يتكون من مركبين: الأول عطفي (الإسلام وحقوق) والثاني إضافي (حقوق الإنسان)
- دلاليا: يشير إلى علاقة الدين الإسلامي بحقوق الإنسان.
بداية ونهاية النص
- بداية النص: تتضمن معجما يدل على مؤشرات العنوان: ( آلله – آمن – ربك – مكرمون – العطاء – بني آدم – البشرية ...)، وأخرى تدل على الإنسان، مثل: (بني آدم – البشرية ...).
- نهاية النص: نلاحظ فيها أن العنوان تكرر لفظا ومعنى، كما تبرز هذه النهاية علاقة الإسلام بحقوق الإنسان (منظومة متكاملة من الحقوق).
بناء فرضية القراءة
بناء على العنوان وبداية النص ونهايته نفترض أن موضوعه يتناول حقوق الإنسان في ظل الإسلام.
القراءة التوجيهية
الإيضاح اللغوي
- محظور: ممنوع.
- تخويل: تمكين.
- تكفل: تضمن.
- جنحوا: مالوا.
- أعجمي: ليس عربيا.
- ندد: شجب.
المضمون العام للنص
مكانة الإنسان في الإسلام وحقوقه الأساسية.
القراءة التحليلية للنص
المستوى الدالي
تكريم الإسلام للإنسان
- كل بني آدم مكرمون من آلله
- لا يحرم من هذا العطاء المادي لا كافرا ولا ملحدا...
- يكفل الإسلام حقوق الإنسان.
- منع الإخلال بحقوقه...
- منع الإسلام الانتحار احتراما لحق الإنسان في الحياة ...
- تعايش الإسلام مع مختلف الديانات في المجتمع الإسلامي.
- أنصف الإسلام المرأة وكرمها ...
- مارست المرأة في الإسلام حقوقها الدينية والسياسية والاجتماعية.
- ناهض الإسلام العنصرية وأبطل التمييز العنصري...
- لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود...
حقوق الإنسان في الإسلام
- حق الإنسان في الحياة.
- حق الحريات.
- حرية العقيدة.
- صان حقوقهم الدينية والسياسية والاجتماعية.
- الحقوق المتصلة بالسلام والحرب.
- حق المساواة...
ملاحظة: نسجل تقاطعا واضحا بين معجمي الحقلين من منظور أن الغاية واحدة وهي تكريم الإنسان.
المستوى الدلالي
مضامين النصوص الأساسية
- تكريم آلله الإنسان دون تمييز على أساس أي اعتبار.
- منظور الإسلام تجاه حقوق الإنسان المتمثل في السعي إلى الحفاظ عليها، واعتبارها حقوقا الله كذلك.
- الحقوق الأساسية التي أقرها الإسلام للإنسان وسبل الحفاظ عليها.
أسلوب النص
- أسلوب الاستنباط: وظف الكاتب أسلوبا استنباطيا انطلق فيه من الخاص إلى العام، حيث قدم أمثلة لحقوق الإنسان في الإسلام ليخلص أن إلى الإسلام منظومة متكاملة يمكن تسميتها شريعة حقوق الإنسان.
- أسلوب الحجاج: اعتمد فيه الكاتب على الاستشهاد بالنصوص الدينية (القرآن والحديث) ومواقف من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى التوكيد بالتكرار (الإسلام – حقوق – الإنسان)، والناسخ الحرفي (إن).
الطباق في النص
أحسن ≠ أساء – السلام ≠ الحرب – عربي ≠ أعجمي – أبيض ≠أسود – جسد ≠ – روح آمن ≠ لم يؤمن – الرجل ≠ المرأة ...
المستوى التداولي
مقصدية الرسالة
يهدف الكاتب إلى إبراز دور الإسلام في إعطاء المشروعية لحقوق الإنسان من خلال تنظيمها وضمان حماية ممارستها في المجتمع، والحرص على استمراريتها.
قيم النص
يتضمن النص مجموعة من القيم، منها:
- قيمة إسلامية: تتمثل في الاستشهاد على حقوق الإنسان في الإسلام بآيات من القرآن الكريم ومواقف من سيرة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
- قيمة إنسانية: تتجلى في دور الإسلام الحفاظ على حقوق الإنسان وضمان ممارستها.
- قيمة اجتماعية: تتمثل في ترسيخ الإسلام للمساواة بين الناس، ورفضه لكل أشكال ومظاهر ممارسة الميز العنصري بين البشر.
القراءة التركيبية
لقد كرم الإسلام الإنسان وهيأ له سبل السعادة على الأرض، فالإسلام ضمن للمسلمين وغيرهم حقوقا وحريات تنظم علاقتهم بربهم وعلاقتهم بغيرهم، وذلك بصرف النظر عن الفوارق والاختلافات بين بني البشر، وقد كان للمرأة نصيب أوفر من التكريم إذ خول لها الإسلام حقوقا دينية ودنيوية، وبهذا كله يكون الإسلام دينا كونيا يولي العناية للناس كافة.