الإنسان ومشاكل الهجرة - تحليل نص 'مشاكل المهاجر المغربي' للمختار مطيع
سياق النص
النص للمختار مطيع الباحث المغربي والأستاذ في القانون العام، مأخوذ من مقاله “الهجرة المغربية إلى أوربا” المنشور بمجلة “دفاتر” العدد الثالث سنة 1994 في ملف معنون ب ” مركز الدراسات والاتجاهات حول حركات الهجرة المغاربية”، والمقال يسعى إلى التحسيس بمعاناة المهاجر المغربي المتمثلة في مشاكل التأقلم والتفكك العائلي والحواجز اللغوية والاجتماعية والثقافية والانحلال الأخلاقي والعنصرية والتمييز والعزلة والتربية الهجينة وغيرها من المشاكل التي ترك للمهاجر المغربي غير المؤهل أمر مواجهتها وحيدا في خضم من الحيرة والتخبط والانكماش أو الاستسلام أو فقدان التوازن بمعناه العام، دون اهتمام جدي من الدولة المصدر بغير عائداته المادية، ولا من دولة الاستقبال إلا باعتباره مشكلة.
ملاحظة النص
يؤشر عنوان النص على نوع مزدهر من الهجرة هو الهجرة الخارجية بدافع الحاجة المادية، وهو ما يمرر عبر ألفاظ العنوان الثلاثة الدالة على أن الهجرة متجهة نحو البلدان الأوربية التي تضمن فرص العمل الجيدة، وأن المهاجر يحمل ملامح دول الجنوب الفقيرة استنادا إلى الدلالة الجغرافية والحمولة السوسيواقتصادية للفظة ” المغربي”، وتعضد هذا الإيحاء مشيرات مصدر النص، وأن هذا المهاجر سيتعرض في بلاد المهجر للكثير من المشاكل بسبب الهوة الحضارية والاختلاف الثقافي وشبه الأمية الناشئة عن الطابع البدوي والوضع الاجتماعي الهش لغالبية المهاجرين المغاربة الباحثين عن تحسين وضعهم المنهار تقريبا في بلدهم الأم، وهي دلالات تتناسل في الذهن بمجرد ملاحظة الملفوظ الأول والأخير في النص الذين يؤشران على أن المشكل بات يحمل بعدا إنسانيا، وتتضرر منه البلدان المصدرة والمستقبلة على السواء، ناهيك عما يعتري المهاجرين مما يمكن نعته بالأزمة الحقيقية التي تستدعي نظرا إنسانيا ودوليا عاجلا .
فهم النص
يتمفصل النص إلى عدد من المفاصل الدلالية الأساسية نوردها كالآتي:
- تعريف الكاتب للمهاجر استنادا إلى سماته السوسيوثقافية المميزة، فهو الأعزب أو المتزوج المغادر وطنه إلى بلد أجنبي غريب وحضارة مادية لا تأبه بالأخلاق.
- استعراض الكاتب للمشاكل التي يغرق فيها المهاجر وتشمل: الضغط النفسي والتفكك الاجتماعي – العزلة وكبت الغرائز والحريات، وافتقاد الهوية – مشكل التأقلم بسبب الأمية وجهل لغة المهجر – القلق على الأسرة والأهل والأبناء في البلد الأم – التربية الهجينة للأبناء في المهجر وتخبطهم بين قيمهم الأصلية والقيم الأوربية – الحيرة والقلق المرتبطة بمشكل الانتماء والاندماج بين المهجر والوطن، الأول ينظر إليهم فيه باستعلاء وحقد واحتقار، والثاني باستهجان وانتهازية.
- معاناة المرأة المغربية المهاجرة من العزلة التامة والتهميش والانكماش في المهجر لغياب هياكل اجتماعية تساعد على إدماجها.
- مأزق الفتاة المغربية المهاجرة بين الانغلاق الاجتماعي والثقافي أو الانسلاخ من الجذور والذوبان في القيم الغربية المتحررة وإغوائها الكاسح.
- اختصار الكاتب لمشاكل المهاجر المغربي في صعوبة الاندماج وتعقيدات العودة إلى الوطن.
تحليل النص
يتقاطع في النص حقلان معجميان أحدهما اجتماعي والآخر نفسي، ويمكن بيان حجم انتشارهما في النص من خلال الجدول الآتي:
الحقل الاجتماعي | الحقل النفسي |
الوطن – الأهل – الأسرة – الأصدقاء – الوسط الاجتماعي – نشأ – بلد أجنبي – تفكك – أعزب – متزوج – عائلة – والديه – زوجة – أبناء – مجتمع مختلف – مجتمع مادي – العنصر الأخلاقي – عادات – سلوكات اجتماعية – عوامل جنسية – ثقافية – دينية – إشراف الأب – التربية – التعليم – التوجيه – التنشئة الهجينة – عادات أصلية – عادات المهجر – الهجرة العائلية – الحواجز اللغوية – التهميش – العزلة | هزات نفسية – العزلة – كبت الغرائز والحريات – استعلاء – حقد – نقص – عزلة مطلقة – مأزق – الاحتماء من الهجوم الثقافي – الانكماش – صعوبة الاندماج – الحيرة |
وبالنظر إلى الكتلة اللفظية للحقلين الدلاليين يتضح أن الحقل الاجتماعي مهيمن على النص لسبب بسيط هو أن المشكل النفسي واحد يتمثل في أشكال الضغط النفسي، وهو ناجم عن عدد هائل من المشاكل الاجتماعية التي يعرض النص لبعضها في مجتمعين ينفصل المهاجر عن أحدهما بالتدريج، ويجد صعوبة بالغة في الاندماج في الآخر بسهولة.
اعتبر الكاتب الهجرة العائلية حديثة نسبيا استنادا إلى معطيات إحصائية مضبوطة، فالمهاجر المغربي إلى حدود بداية الثمانينيات من القرن الماضي كان يهاجر إلى أوربا أو غيرها من القارات بمفرده، ويرسل تحويلاته إلى عائلته بالمغرب عبر المصارف أو الأشخاص، ويعود إلى وطنه مرة في السنة ليتفقد أحوال أسرته، ولم يكن ليغامر بمستقبل أبنائه في بلاد يعتبرها ملاذا للعمل فقط، ولا تصلح لغير ذلك، ومع التطور الذي عرفه المغرب من مجتمع محافظ إلى حداثي متحرر تغيرت الكثير من القيم وطغت الاعتبارات المادية والنفعية على الأخلاقية، ومع مشاكل البطالة المستفحلة وضيق أفق الإنسان المغربي وضعف التنمية البشرية في بلده الأم، وحاجة المهاجر إلى الاستقرار النفسي والعائلي بدأت الهجرة العائلية تتدفق نحو أوربا وأمريكا وغيرهما، وازدادت أفواج المهاجرين من كل الأعمار نساء ورجالا، وتفاقمت مشاكل الاندماج، ومعاناة المرأة المغربية بشكل خاص في بلدان تنظر إلى المهاجرين نظرة انتقاص، وعدوانية أحيانا، تحملهم مسؤولية ما يقع في بلدانهم من مشاكل، ولا تكلف نفسها إعداد خطط للإدماج الاجتماعي والثقافي والحضاري المتسامح المراعي لمبدأ التنوع والحرية وحقوق الإنسان، سيما وأن المهاجرين صاروا جزأ من النسيج الاجتماعي العام لبلد المهجر، وبذلوا الكثير من جهود التنمية فيه، وخاصة الجيلين الثاني والثالث من أبناء المهاجرين الحاملين لجنسية بلد الاستقبال.
يدور النص حول فكرة محورية واحدة يبدأ منها وينتهي إليها، وتتعلق بمشاكل المهاجر المغربي في المهجر والوطن، ويسعى النص في كل فقراته إلى تفصيل هذه الفكرة وتوسيعها مستخدما في ذلك إجراأت التعريف والتفسير والتمثيل والتحليل والاستدلال والاستنتاج، وهي إجراأت كافية للإحاطة بأبعاد الظاهرة موضوع المعالجة، وتحسيس المتلقي بالمخاطر الاجتماعية والنفسية التي يفرزها واقع يحتاج إلى معالجة فورية للحد من التداعيات الإنسانية الخطيرة التي تهدد استقرار الدول وحقوق الإنسان.
لغة النص وصفية دقيقة تختزن تصورات وتحليلات ونتائج تدخل النص ضمن الخطابات ذات الطابع التقريري التفسيري بلمسة حجاجية تستمد قوتها الإقناعية من منطق الاستقراء ورصد الوقائع وتحليلها، ويتوسل النص بعدة أسلوبية داعمة لهذا البعد التقريري ذي الوظيفة التحسيسية، فيها حضور كبير للأفعال المضارعة، والمقترنة بالسين للتأشير على حاضر الأزمة المتفاقمة للمهاجر ومستقبلها الذي ينذر بمزيد من التعقيدات، وأسلوب الشرط والجزاء الذي يرتب الأحكام على تشكلات الظاهرة وتمظهراتها المتعددة والمعقدة، وكثير من أسماء الإشارة المحيلة إلى الفضاأت والمؤثثات التي تملأ عوالم الهجرة من الانطلاق حتى الاستقرار.
تركيب وتقويم
النص نموذج لتقارير موضوعية تعرض بشكل إجمالي المشكلات التي يعاني منها المهاجر المغربي، والتي يحاول المغرب على الأقل في حدود إمكاناته تقليصها بتحسين إجراأت العودة وتوفير فرص استعادة الاندماج في الوطن الأم، بينما لاتعمل أوربا سوى على استنزاف طاقات المهاجرين وحرمانهم من التمتع بنفس حقوق مواطنيها الأصليين رغم اعترافها بفضلهم، وقد حاول الكاتب عرض هذه المشكلات في قالب أسلوبي يسلسل الفكرة، ويطارد جزيئاتها وأبعادها في بناء إخباري ومنهجي متدرج يوفرله الأساليب التي تخدم الوظيفة التقريرية والتفسيرية والإقناعية.