الخطاب الإشهاري - تحليل نص 'آليات الخطاب الإشهاري' لحميد لحمداني
ملاحظة النص
عنوان النص (آليات الخطاب الإشهاري) مركب إضافي يحيل فيه المضاف على الوسائل التي يعبئها الخطاب الإشهاري لتأمين ملاءمته وتأثيره في المتلقي ، وتحقيق فاعليته وأهدافه، ويوحي المضاف إليه الموصوف بنمط من الخطابات المنسجمة المتسقة العناصر والمكونات، شديد التعقيد متشغب الخلفيات والمرجعيات، موجه إلى متلق متعدد يحاول عبر الوسائل المتعددة التغلغل إلى كياناته واحتوائها أو إعادة تشكيلها. والملفوظ الأول والأخير في النص يغذي هذا الإيحاء من خلال اعتبار الخطاب الإشهاري متجاوزا لطبيعته الترويجية الصرفة، مؤسسا لخطاب فني أدبي جمالي تولى فيه لآليات الإبداع والإمتاع والإقناع أهمية قصوى، ولذلك يفترض أن يدور موضوع النص حول هذه الطبيعة الخلاقة لهذا الخطاب.
فهم النص
يتمفصل المحمول المنطقي للنص إلى جملة مفاصل دلالية نحددها كالآتي:
- الإشهار يفرض وجوده الفني التعبيري رغم جوهره الترويجي وقصده النفعي الضيق.
- غنى وسائل التعبير والتأثير الفكري والنفسي والجمالي في الإشهار واكتساحه لوسائل الاتصال المختلفة جعله يطغى على الفنون الأخرى.
- تفاعل الوظائف المتعددة في الخطاب الإشهاري لدفع المستهلك إلى الاقتناء يجعله مادة فنية مؤثرة تماما ككونه مضمونا تسويقيا.
- استناد الخطاب الإشهاري على أربع نظريات: الإقناعية الإخبارية، والإسقاطية الإدماجية (الاجتماعية) ، والسلوكية الإشراطية، والإيحائية الإبداعية.
- الجهد الإشهاري متعدد الطاقات والخبرات يحتاج في صناعته إلى جيش من الأدباء والعلماء والخبراء في الاجتماع والاقتصاد والنفس والطبيعة والفيزياء والكيمياء والطب والموسيقى والتشكيل والتصوير والسينما والموضة والجمال والتغذية وغيرها ، كل هذا العتاد يستثمر لتعزيز الهدف التجاري.
تحليل النص
يمكن اختزال المفاصل الدلالية للنص في العناوين الآتية:
- علاقة الإشهار بفنون التعبير والتصوير، واكتساحه لها على مستوى الحضور في فضاأت المستهلك والتأثير فيه.
- قيام الخطاب الإشهار على نظريات متعددة.
- حضور المتعدد المعرفي في الخطاب الإشهاري متفاوت تبعا للوظائف المتفاعلة داخله.
تلتقي كل نظريات الإشهار عند هدف واحد هو دفع المستهلك إلى فعل الاقتناء، وفي تمرير الخطاب في قالب جمالي مؤثر ومقنع، وتختلف هذه النظريات في منطلقاتها المرجعية التي توجه كل واحدة منها إلى جانب حساس من جوانب المستهلك لمحاصرته من كل جهة.
تستمد آليات الإشهار فعاليتها من مجالات معرفية متعددة منها :علم النفس وعلم الإجتماع وعلم الإقتصاد وعلم الصناعة والفن والجمال.
تتوزع معجم النص ألفاظ تنتمي إلى حقول دلالية متعددة أظهرها أربعة :
- الحقل السيكولوجي: إغراء – الإشراط – إرضاء الرغباتء الوظيفة السيكولوجية – الإلحاح والتكرارء المحفزات السيكولوجية …
- الحقل الأدبي: إنتاج فني أدبي – الخطاب – الحركات – الألوان – التعبير – الجمالية – الفنون – الإبداع – مادة فنية – الإقناع والإخبار – التفسير والتوضيح – إيحاء – الشكل الأدبي – الاستيهامات – التماهي – الوسائل الفنية والبلاغية – الاستعارة – الكناية – التمثيل – التورية – التكرار – الجناس – السجع – المجاز المرسل – السخرية …
- الحقل الاقتصادي: التجاري ـ البيع ـ الرأسمالي ـ ترويج السلع ـ الخدمات ـ الإنتاج ـ الاقتناء – المستهلك – تسويق – منتج – البضائع – المؤسسات – الإمكانيات …
- الحقل الاجتماعي: الإسقاط – الإدماج – الاجتماعية – جماعات – تقاليد – عادات – قيم الجماعة – المجتمع الرأسمالي – وضعية اجتماعية – قيم إنسانية ت قضايا الذات أو المجتمع…
والعلاقة بين كل هذه الحقول تتمثل في كونها عناصر حاضرة في صناعة الخطاب الإشهاري ومتصلة بالمستهك وحاجاته وتطلعاته، لكن هيمنة المواد المعجمية ذات الصلة بالحقل الأدبي والفني يحيل إلى المنحى الذي أصبحت صناعة الإشهار تسير فيه من خلال جعل هذا الخطاب مضمارا للإبداع والثراء الفني والمعرفي.
من بين العناصر التي توسل بها الكاتب في عرض آليات الإشهار وتفسيرها تحديد المفاهيم ومد الجسور بينها، والإحالة على نظريات متعددة المرجعيات مفسرة للظاهرة الإشهارية في أسلوب علمي تقريري مفصل تفصيلا بسيطا مركزا على المعطى الأساسي في كل نظرية في علاقته بواقع الاستهلاك [ التمثيل ]، إضافة إلى استعمال المعجم العلمي المتنوع والمنهجية العلمية القائمة على العرض المنطقي للأفكار، فضلا عن لمسات فنية لغوية بسيطة استدعتها طبيعة اللغة الخلاقة [ اقتحامه ـ مزاحما – يمنح – لا تنقذه من براثن الغاية التجارية …].
تركيب وتقويم
الخطاب الإشهاري متعدد المرجعيات النظرية، مستند إلى وسائل تعبيرية وتصويرية متعددة؛ مما يجعله خطابا معقدا وحاضرا بقوة في عالم تركيم مهول للمنتوجات والخدمات، واشتداد المنافسة على كسب ثقة المستهلك. غير أنه، وإن كان يبدو في ظاهره مسخرا لخدمة المستهلك، يخفي في العمق الكثير من السلبيات، وينتج الكثير من الأزمات المالية والنفسية والاجتماعية، فقد يورط المستهلك في التزامات مالية لا يستطيع الوفاء بها، كما يهيج الحقد الاجتماعي بين الطبقات المتباينة، وقد يتحول العجز عن الشراء إلى مشاكل نفسية ورغبات مكبوتة، وقد يترجم إلى جرائم تهدد المجتمع.