تحليل نص جول لاشولييه: أساس هويّة الشخص، طبعه وذاكرته
- مجزوءة الوضع البشري
- المحور الأول: الشخص والهوية
- تحليل نص جول لاشوليي: أساس هوية الشخص طبعه وذاكرته
أساس هوية الشخص : طبعه وذاكرته «من الأكيد أنّنا ننظر لأنفسنا على أنّنا شخص واحد، وأنّنا نفس الشخص في كلّ فترات عمرنا، لكن هذه الهويّة التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أنّ فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيّا وثابتا؟ لنسجّل أنّ الوقائع تكذّب كلّيا هذه الفرضية، فالإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له إلاّ أنا متخيّل يتبخّر عندما يستيقظ، كما أنّ ضربة واحدة على الرأس تكفي لحفر هوّة عميقة بين أنا اليوم وأنا البارحة لأنّها تشلّ ذكرياتنا، ونحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أوّل وأنا آخر يتناوبان فيما بينهما وأحدهما يعرف الآخر ...، أن نقول بأنّنا نرجع حالاتنا الداخلية إلى أنانا معناه أن نقول إنّنا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصّة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة عامة ...، ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحسّ بهويّتنا أمام أنفسنا وهما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، وترابط ذكرياتنا، ذلك أنّ لدينا نفس الطريقة الخاصّة في ردّ فعلنا تجاه ما يؤثّر علينا، أي أنّ نفس العلامة تسم ردّ فعلنا الأخلاقي وتطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصيّ ...، إضافة إلى ذلك فإنّ ذكرياتنا تشكّل على الأقلّ بالنسبة للقسم القريب من حياتنا سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى أنّ حالتنا النفسية الحالية تتولّد من حالتنا النفسية السابقة...، وهكذا يمتدّ وعينا التذكّري في الماضي ويتملّكه ويربطه بالحاضر ...، ليست هويّتنا الشخصية إذن كما كان متداولا من قبل، معطى أوّليا أصليّا في شعورنا، بل إنّها ليست إلاّ صدى مباشرا أو غير مباشر، متواصلا أو متقطّعا، لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة، وهكذا فنحن لسنا أمام أعيننا سوى ظواهر يتذكّر بعضها بعضا» (ترجمة فريق التأليف) |
تأطير النص
النص يدخل في اطار فلسفة فرنسية خاصة مع جيل لاشوليه الذي صاغ تصورا خاصا لمفهوم الشخص، اعتبر فيه أن المحدد الرئيسي للشخص هو هويته.
صاحب النص
جول لاشوليي فيلسوف فرنسي ولد بمدينة فونتينبلو في السابع والعشرين من مايو سنة 1832م، وتوفي سنة 1918م، تلقى تعليمه بالمدرسة العليا، واشترك مع أستاذه "رافيسون" في تأسيس الحركة الروحية في الفلسفة الفرنسية، أهم ما ميز فكر جول لاشوليي هو اعتباره أن الأشياء في غالب الأحيان ما ترد إلي ظواهر، وهذه الأخيرة عبارة عن أحاسيس، كما يرجع العالم الخارجي، التحق جول لاشوليي بالمدرسة العليا الأساتذة في باريس، من أهم مؤلفاته نجد:
- في أسس الاستقراء الذي نشره سنة 1871.
- السيكولوجية والميتافيزيقا سنة 1885.
الطرح الإشكـالي
يمكن صياغة الطرح الإشكالي لنص جول لاشوليي علي النحو التالي: هل يمكن القول بوحدة داخل هوية الشخص أن أم هذه الوحدة لا تعدوا أن تكون وهما، وبالتالي الشخص محدد من خلال التعدد والتنوع؟ أو بصيغة أخرى هل تقوم الهوية على التطابق أم الاختلاف والتعدد؟ وأين تكمن هوية الشخص، هل في مادة جسمه أم في صورة جسمه أم في شيء آخر غير هذا ولا ذاك؟
المفاهيم الأساسية
حتى يثبت صاحب النص أطروحته استخدم عدة مفاهيم أهمها:
- الشخص.
- الهوية.
- الأنا.
- الذات.
- المزاج.
الأطروحة
يدافع جيل لاشوليه عن أطروحة أساسية مفادها أن المحدد الرئيسي للشخص هو هويته، أي تطابقه مع ذاته وهذا ما يميزه عن غيره، وبالتالي فأساس هوية الشخص هي وحدته النفسية في الزمان عبر مختلف لحظات تطوره المختلفة.
الحجاج
يمكن أن نقسم الحجاج إلى نوعين: الأولى لغوية من خلال اعتماد صاحب النص علي عدة أساليب حجاجية أهمها:
- النفي: (ليس...).
- الاستفهام: (هل....).
- الشرح والتفسير: (أن تقول .....معناه.... ، (أي أن ...).
أما الثانية فهي حجج معرفية وفكرية من خلال:
- يبدأ صاحب النص بالتساؤل حول صحة الإمكانية القائلة بوجود هوية واحدة وثابتة.
- التأكيد أن على أساس هوية النص تربط وتحدد بالدرجة الأولى بوحدته النفسية.
- سبر مختلف المراحل الأساسية التي يمر منها وبالتالي فهوية الشخص ليس نتاجا تلقائيا بقدر ما هي نتائج لآليات ربط وهي آليات نفسية بالدرجة الأولى.
- التأكيد في نهاية النص عن فكرة أساسية مفادها أن وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية الإنسانية هي الضامن الأول والأخير لهوية سالمة مطابقة مع الذات في مواقفها وردود فعلها.
قيمة النص
يمكن القول أن قيمة النص تتمثل بالدرجة الأولى في كونه قد صاغ تطورا أساسيا لمفهوم النص تختلف تماما عن التصورات التي كانت معروفة خلال هذه المرحلة، بل أكثر من ذلك يمكن القول أيضا ان أطروحة جيل لاشولية قد مهدت لظهور نظريات جديدة في إطار التعامل مع مفهوم الشخص وبالتالي يمكن القول أن النص "أساس هوية الشخص طبعه وذاكرته" هو يمثل صورة مصغرة عن الرهان العام لأطروحة جيل لاشويه حول مفهوم الشخص.
خلاصة وتركيب
ما يمكن أن نحتفظ من خلال هذا النص هو عنصرين أساسين وهما:
- الشخص يتحدد من خلال ارتباطه بهويته.
- إن وحدة الشخص وتماسكه لا يتم بشكل عفوي تلقائي، بل هي نتائج آليات ربط حتى نقول إن هوية الشخص ليست معطى وإنما بناء كما يقول كانط.