المغرب تحت نظام الحماية
تمهيد إشكالي
واجهت المغرب في العقد الأول من القرن 20م مجموعة من الأزمات ساهمت فيها عوامل داخلية وأخرى خارجية في عهدي السلطانين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ، انتهت بسقوطه تحت الحماية الفرنسية والأسبانية سنة 1912م.
- فما هو السياق العام الذي فرضت فيه الحماية على المغرب؟
- وما هي أجهزة ومؤسسات نظام الحماية؟
- وما هو رد فعل المغاربة تجاه هذا النظام؟
مفهوم نظام الحماية، وظروف فرضها على المغرب
مفهوم نظام الحماية
الحماية نظام استعماري فرض على المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1912 و 1956م، بعد أن فرضت عليه فرنسا توقيع معاهدة فاس في 30 مارس 1912م، والتي بموجبها قسمت التراب المغربي إلى ثلاث مجالات استعمارية (منطقة النفوذ الفرنسي بالوسط، منطقة طنجة الدولية، منطقة النفوذ الاسباني في الشمال وفي الجنوب).
الظروف التي فرضت فيها الحماية على المغرب
العوامل الخارجية التي ساهمت في فرض نظام الحماية على المغرب
تمثلت هذه العوامل في اشتداد التنافس الاستعماري الأوربي حول المغرب، وقد حسمت فرنسا هذا التنافس عبر اتفاقيات ثنائية انفردت بموجبها بالمغرب، حيث تنازلت في سنة 1902م لايطاليا عن ليبيا مقابل المغرب، ثم تنازلت لبريطانيا عن مصر سنة 1904م، كما حصلت على امتيازات متعددة في المغرب بموجب مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906م، وفي سنة 1911م تنازلت لألمانيا عن الكونغو، وفي 27 نونبر 1912م اتفقت مع اسبانيا حول تحديد مناطق احتلالها.
العوامل الداخلية التي ساهمت في فرض نظام الحماية على المغرب
- أزمة اقتصادية ومالية داخلية تمثلت في فشل المخزن المغربي في فرض ضريبة الترتيب سنة 1902م، ولجوئه إلى الاقتراض المكثف من الدول الأوربية وخاصة فرنسا.
- أزمة سياسية خانقة تجلت في اندلاع تمرد الجيلالي بن إدريس الزرهوني (بوحمارة) ما بين 1902 و1909م، وعزل السلطان المولى عبد العزيز وبيعة المولى عبد الحفيظ سنة 1909م، وقد استغلت القوى الاستعمارية هذا الوضع السياسي المضطرب، حيث احتلت فرنسا وجدة والدار البيضاء سنة 1907م، ثم احتلت اسبانيا العرائش والقصر الكبير سنة 1911م.
بنود عقد الحماية التي فرضت على المغرب بفاس يوم 30مارس 1912م
وقع السلطان المولى عبد الحفيظ والسفير الفرنسي رينو عقد الحماية بمدينة فاس يوم 30 مارس 1912م، وقد اتفق الطرفان على ما يلي:
- تأسيس نظام جديد تنجز بموجبه فرنسا الإصلاحات النافعة للمغاربة.
- حراسة فرنسا للتراب المغربي برا وبحرا.
- تعهد فرنسا بحماية أمن وسلامة ومهام السلطان.
- إشراك السلطان وولاته في الأقاليم في تنفيذ نظام الحماية.
- تعيين فرنسا مقيما عاما لها في المغرب وتمتيعه بصلاحيات عامة.
- رعاية فرنسا لشؤون المغرب وجالياته في الخارج.
- إشراف فرنسا على طلبات المغرب للقروض.
- قيام فرنسا بالتفاوض مع اسبانيا.
- الإبقاء على طنجة كمنطقة دولية.
التقسيم الترابي للمغرب بعد سنة 1912م، وأهم أجهزة نظام الحماية
التقسيم الترابي للمغرب في عهد الحماية
قسم المغرب إلى ثلاث مجالات أساسية:
- المنطقة الدولية بطنجة.
- منطقة الحماية الاسبانية بالشمال (جبالة، غمارة، الريف)، وبالجنوب المغربي (الساقية الحمراء، ووادي الذهب).
- منطقة الحماية الفرنسية بوسط البلاد الذي تم تقسيمها إلى جهات مدنية (وجدة، الرباط، الدار البيضاء)، وجهات عسكرية (فاس، مكناس، مراكش، اكادير).
الأجهزة الإدارية لنظام للحماية ووظائفها
الأجهزة الإدارية للحماية الفرنسية
وضعت فرنسا تنظيمات إدارية جديدة مكنتها من السيطرة الفعلية على حكم المغرب تاركة للسلطان الشؤون الدينية، وقد توزعت بين إدارة مركزية وإقليمية ومحلية:
- على المستوى المركزي: كان المقيم العام الفرنسي يدير الشؤون الهامة في المغرب، ويشرع القوانين، ويصادق عليها، ويعتبر ليوطي هو أول وأهم مقيم عام فرنسي بالمغرب.
- على المستوى الإقليمي والجهوي: قسمت منطقة النفوذ الفرنسي إلى سبعة أقاليم يرأس كل منها موظف سام فرنسي.
- على المستوى المحلي: قسم كل إقليم إلى دوائر حضرية وقروية يرأس كل منها موظف مغربي يعرف باسم الباشا أو القائد.
الأجهزة الإدارية للحماية الاسبانية
- على المستوى المركزي: احتكر المندوب السامي الإسباني السلطة الفعلية تاركا سلطة شكلية لخليفة السلطان.
- على المستوى المحلي: كان القنصل الإسباني يشرف على المدن التي يحكمها الباشوات، كما كان الضابط العسكري الإسباني يشرف على البوادي التي يرأسها القواد.
الإدارة المغربية
- على المستوى المركزي: يمثلها خليفة السلطان له صلاحيات شكلية كإصدار الظهائر، ويتولى إدارة العدل والأوقاف.
- على المستوى المحلي: يمثلها الباشوات بالمدن، والقواد والشيوخ والمقدمون بالبوادي، ينوبون عن الخليفة لكنهم كانوا تحت مراقبة ضباط الجيش الاسباني.
الأجهزة الإدارية في منطقة طنجة الدولية
تمثلت الأجهزة الدولية في:
- السلطة التشريعية: المشكلة من مجلس تشريعي يتكون من 9 أعضاء مغاربة و18 أجنبيا، ولجنة المراقبة ممثلة في قناصل الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء، وتكلفت باتخاذ القرارات الاقتصادية ومراقبة احترام النظام الدولي السلطة التنفيذية: المكونة من حاكم المدينة، ونواب المجلس التشريعي، كان يعين الموظفين الكبار وينفذ قرارات السلطة التشريعية، ويحافظ على الأمن العام.
- السلطة القضائية: وتشكلت من 7 قضاة الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء، وكانت تفصل في النزاعات الجنائية والتجارية بالمدينة، بينما تشكلت الأجهزة المخزنية من مندوبية السلطان، المكونة من مندوب السلطان والقاضي وموظفو الاحباس، وكانت تحرص على شؤون المغاربة وتلزمهم باحترام النظام الدولي.
نماذج المقاومة المسلحة، ودورها في مواجهة نظام الحماية الاستعماري
مظاهر المقاومة المسلحة المغربية للاحتلال الفرنسي
- معركة فاس: انتفض سكان مدينة فاس ضد التواجد الفرنسي مباشرة بعد توقيع عقد الحماية، وذلك في 20 ابريل 1912م، ثم هبت القبائل المجاورة لتحرير المدينة بقيادة محمد الحجامي، وقد صمد المغاربة طيلة شهري ماي ويونيو 1912م ضد الجيش الفرنسي الذي انتصر بسبب تفوقه العسكري.
- معركة سيدي بوعثمان: انطلقت المقاومة الجنوبية من الصحراء المغربية بزعامة أحمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين، وأخوه مربيه ربه، وتصدت هذه المقاومة للجيش الفرنسي في شمال مراكش، وبسبب اختلاف موازين القوة انهزم المغاربة في معركة سيدي بوعثمان يوم 06 شتنبر 1912م، وبعدها عاد المجاهدون لمواصلة المقاومة بالجنوب المغربي إلى غاية وفاة مربيه ربه سنة 1934م.
- معركة الهري: قادها موحا اوحمو الزياني نسبة إلى قبائل زيان بخنيفرة بالأطلس المتوسط، واستطاعوا بفضل شجاعتهم وخططهم الحربية الانتصار الساحق على الفرنسيين، حيث قتل وأسر كبار قادة الجيش الفرنسي في معركة الهري يوم 13 نونبر 1913م.
- معركة مسكي الرجل: تزعم المجاهد الشريف المحمدي العلوي قبائل تافيلالت بالجنوب الشرقي للمغرب لمقاومة الاحتلال الفرنسي، وقد صمد المقاومون في جبهات المعركة حيث اضطروا إلى ربط أرجلهم ببعضهم بالحبال للثبات في مواقعهم، وأداروا معركة طاحنة ضد الجيش الفرنسي بمنطقة مسكي قرب الريصاني سنة 1919م انتهت باستشهادهم.
- معركة القوس: ترأس المجاهد با علي المقاومة المسلحة بالجنوب الغربي لمنطقة تافيلالت ضد القوات الفرنسية وعملائها من المغاربة (جيش الكلاوي)، انتهت بانهزام المقاومة في معركة القوس التي امتدت من يوم 31 يوليوز إلى 3 غشت 1920م.
- معركة بوكافر: قادها المجاهد عسو اوبسلام قبائل ايت عطا بالأطلس الكبير، ورغم استعمال الجيش الفرنسي للطائرات والمدافع والقنابل، فان المقاومين صمدوا في معركة القوس من 12 فبراير إلى 24 مارس 1933م، ولم يستسلموا إلا بعد أن استنفدوا أسلحتهم مقابل شروط قدمها عسو اوبسلام للفرنسيين.
مظاهر المقاومة المسلحة المغربية للاحتلال الاسباني
تزعم محمد بن عبد الكريم الخطابي المقاومة المسلحة الريفية التي حققت نصرا كبيرا في معركة أنوال يوم 21 يوليوز 1921م ضد الاحتلال الاسباني بالشمال المغربي، وبعد هذه المعركة تحالفت اسبانيا مع فرنسا، وشنتا حربا عسكرية استعملت فيها الغازات الكيماوية، فاستسلم محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 27 ماي 1926، كما قاد احمد أخريرو مقاومة قبائل جبالة بالشمال الغربي من المغرب ضد الاحتلال الاسباني إلى أن استشهد يوم 3 نونبر 1926م.
مظاهر صمود المقاومة المسلحة واستماتتها في مواجهة الاحتلالين الفرنسي – الاسباني
تطلب احتلال المغرب عسكريا من طرف سلطات الحماية 22 سنة من العمل العسكري (1912 إلى 1934م)، وذلك بفضل قوة المقاومة المسلحة المغربية وحسن تنظيمها رغم استعمالها لوسائل وأسلحة تقليدية بسيطة، وأسلحة الغنائم العسكرية من المعارك كما هو الشأن في معركة الهري وأنوال، مقارنة مع التفوق العسكري للمحتل المكون من جيش نظامي مجهز بأسلحة متطورة نارية ودبابات وطائرات، إضافة إلى ارتفاع الروح القتالية للقبائل وإلتفافها حول زعماء المقاومة، وهو ما حاولت فرنسا ضربه بخلق التفرقة، حيث لجأت إلى سياسة فرق تسد بين مكونات المجتمع المغربي من امازيغ وعرب بإصدارها للظهير البربري سنة 1930م، إلا أن المغاربة أفشلوه وزاد من شعورهم الوطني المغربي، وبعد نهاية المقاومة المسلحة بسبب التفوق العسكري الفرنسي والإسباني، انطلقت مقاومة جديدة بالمدن عقب إصدار سلطات الحماية للظهير البربري، وتبنت الأسلوب السياسي والدبلوماسي لمواجهة المستعمر، وعرفت بالحركة الوطنية بعد تأسيس "كتلة العمل الوطني" كأول حزب سياسي في ظل الحماية الفرنسية.
خاتمة
تعرض المغرب للاستعمار بعد توقيع معاهدة الحماية، وشهدت البلاد مقاومة مسلحة استمرت إلى غاية 1934م، ووضع الاستعمار أجهزة إدارية لتسهيل عملية الاستغلال بالمغرب.