التنافس الامبريالي واندلاع الحرب العالمية الأولى
تمهيد إشكالي
تميز القرن 19م باشتداد التنافس الإمبريالي حول مجموعة من المستعمرات، الأمر الذي أدى إلى اندلاع عدة أزمات كان أبرزها وأخطرها على الإطلاق اندلاع الحرب العالمية الأولى.
- فما مظاهر التنافس الإمبريالي خلال نهاية القرن 19م ومطلع القرن 20م؟
- وكيف ساهمت الأزمات التي شهدها العالم في اندلاع الحرب العالمية الأولى؟
مظاهر التنافس الاستعماري خلال نهاية القرن 19م ومطلع القرن 20م
أهم مناطق التنافس الاستعماري
تزعمت الحركة الامبريالية عدة دول أوربية خاصة: فرنسا، انجلترا، ألمانيا، اسبانيا، ايطاليا ،... وتنافست حول عدة مناطق بإفريقيا خاصة، من بينها:
- احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830م.
- اشتداد التنافس الألماني الفرنسي حول المغرب.
- اندلاع أزمة الفاشودا بين فرنسا وإنجلترا.
وكان هدف التنافس الحاد بين الدول الإمبريالية بسبب رغبة هذه الأخيرة في:
- ضمان أسواق خارجية لتصريف فائض الإنتاج.
- الرغبة في الحصول على المواد الأولية والأيدي العاملة.
- الحاجة إلى إقامة مزيد من الاستثمارات.
- تصريف الفائض البشري.
بعض الأساليب والوسائل التي استعملتها الدول الأوربية في إطار التنافس الامبريالي
التحالفات العسكرية
اعتمدت الدول الامبريالية في إطار تنافسها الاستعماري على عدة وسائل، منها إقامة تحالفات وإبرام اتفاقيات، أهمها:
- التحالف الثلاثي الألماني الروسي النمساوي–الهنغاري لعزل فرنسا لتخفيف حدة التنافس الاستعماري بينها.
- التحالف النمساوي الألماني لضمان أمن ألمانيا من أي هجوم فرنسي محتمل.
- التحالف الفرنسي الروسي لحماية حدود الدولتين ضد أي هجوم محتمل.
وكانت الغاية من هذه التحالفات بالإضافة إلى تأمين حماية الدول من الخصوم وتحقيق مصالحها السياسية والترابية:
- التقارب الفرنسي الإيطالي لتسوية النزاع حول المغرب وليبيا.
- التقارب الفرنسي الإنجليزي لتسوية النزاع حول المغرب ومصر.
- الاتفاق الفرنسي الألماني لإنهاء أزمة اكادير سنة 1911م بتنازل فرنسا لألمانيا عن الكونغو.
- إنشاء البنيات التحتية كمد النمسا–هنغاريا بخطوط السكك الحديدية في دويلات البلقان.
- تطوير الملاحة النهرية واعتماد عدة معاهدات تجارية.
التسابق نحو التسلح
عملت الدول الأوربية المنتمية للتحالفات السابقة الذكر على تعميم الخدمة العسكرية الإجبارية، وذلك من خلال:
- الرفع من عدد الجنود وإجبارية التجنيد لدى بعض الدول (انجلترا).
- تطوير العتاد الحربي البري (كان التنافس بين ألمانيا وفرنسا).
- تطوير العتاد الحربي البحري (كان التنافس بين ألمانيا وإنجلترا).
- تطوير العتاد الجوي (كانت الغلبة لفرنسا).
هذه الوسائل والأساليب أثرت سلبا على العلاقات الدولية وزادت من حدة التوتر مع مطلع القرن 20م
بعض الوسائل التي لجأت إليها الدول الإمبريالية لتسوية خلافاتها حول مناطق النفوذ
عقدت الدول الإمبريالية عدة مؤتمرات لتسوية النزاعات الاستعمارية خلال نهاية القرن 19م وبداية القرن 20م، أهمها:
- مؤتمر برلين الأول سنة 1878م بين فرنسا، إنجلترا، روسيا، ألمانيا، النمسا–هنغاريا والإمبراطورية العثمانية، الهدف منه: تعديل معاهدة سان ستيفانو الموقعة بين روسيا والإمبراطورية العثمانية. ← اقتطاع أطراف من الإمبراطورية العثمانية لفائدة روسيا والنمسا.
- مؤتمر مدريد سنة 1880م بين فرنسا، إنجلترا، روسيا، ألمانيا، إسبانيا والمغرب، الهدف منه: وضع حد لمشكل الحمايات الفردية بالمغرب ← تعزيزها مع إعطاء حق الملكية للأجانب.
- مؤتمر برلين الثاني سنة 1884–1885م بين فرنسا، إنجلترا، إسبانيا، بلجيكا وألمانيا، الهدف منه: تسوية الخلاف حول مناطق النفوذ بإفريقيا ← تقسيم القارة بينهم.
- مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906م بين الدول المتنافسة حول المغرب (فرنسا، إنجلترا، إسبانيا، ألمانيا)، الهدف منه: تسوية الخلاف حول كيفية التعامل مع المغرب ← تقرر حرية التجارة، وإنشاء شرطة ثنائية فرنسية إسبانية بالموانئ المغربية، وإنشاء بنك مخزني.
إضافة إلى المؤتمرات لجأت بعض الدول الأوربية إلى إبرام اتفاقات ثنائية لحسم خلافاتها حول نفس مناطق النفوذ، وقد مكنت هذه المؤتمرات الدولية والإتفاقات الثنائية في التخفيف من حدة التنافس بين الدول الاستعمارية حول مناطق النفوذ، رغم أنها لم تحل دون نشوء حرب بينها فيما بعد.
بعض الأزمات الدولية التي نتجت عن التنافس الإمبريالي وأدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى
أزمة المغرب الأولى سنة 1905م والثانية سنة 1911م بين فرنسا وألمانيا
أزمة المغرب الأولى سنة 1905م بين فرنسا وألمانيا
من أهم أسبابها:
- توتر العلاقة بين ألمانيا وفرنسا بعد الاتفاق الودي الذي أبرمته هذه الأخيرة مع انجلترا حول مصر.
- معارضة ألمانيا مشروع فرنسا في المغرب الرامي إلى فرض سيطرتها على البلد ضمانا لمصالحها الخاصة.
وعلى إثر هذه الأزمة عقد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906م، وكان من أهم نتائجه:
- انتصار فرنسا سياسيا وتأكيد مصالحها بالمغرب.
- إعطاؤها حق إدارة شؤون الجمارك بالمغرب.
الأزمة الثانية والمعروفة بأزمة أكادير سنة 1911م
من أسباب هذه الأزمة:
- احتجاج ألمانيا على الحملة الفرنسية التي شنتها على فاس وإرسالها قوات بحرية إلى أكادير مهددة بالتدخل.
- اعتراض فرنسا إلى جانب ايطاليا وإنجلترا وتهديد الأخيرة بالتدخل إذا أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا، ليتم تسوية الأزمة بتنازل فرنسا لألمانيا عن جزء من الكونغو الفرنسية.
أزمة البلقان الأولى سنة 1908م بين الإمبراطورية النمساوية وصربيا
من أسباب هذه الأزمة ضم النمسا للبوسنة والهرسك إلى أراضيها وعدم قدرة صربيا على التدخل لمنع ذلك بعد مساندة ألمانيا لحليفتها النمسا، مما أدى إلى غضب الصربيين الذين كانت لهم طموحات لضم المنطقتين بحكم الارتباط التاريخي، ما نتج عنه تزايد العداء بين النمسا وصربيا.
الاحتلال الإيطالي لليبيا سنة 1911م
أعلنت إيطاليا الحرب على الترك ودخلت إلى ليبيا سنة 1911 في إطار سباقها مع ألمانيا على شمال إفريقيا، هذه الأزمة وسابقاتها نتج عنها انعدام الثقة بين الدول وتزايد حدة التوتر بين الأمم، فازدادت الاستعدادات العسكرية في انتظار ما سيشعل فتيل الحرب.
نتج عن اغتيال ولي عهد النمسا اندلاع الحرب العالمية الأولى
ترتب عن الأزمة البلقانية الأولى تزايد العداء بين الصربيين والنمساويين، وعند زيارة ولي عهد النمسا لمدينة سراييفو البوسنية في 28 يونيو 1914 تم اغتياله من طرف طالب صربي، وجاء رد فعل النمسا بتقدمها بعدة مطالب رفضت صربيا الامتثال لها، وبالتالي أعلنت النمسا المدعمة من ألمانيا الحرب على صربيا، وأعلنت صربيا المدعمة من فرنسا وإنجلترا وروسيا الحرب على النمسا لتندلع الحرب العالمية الأولى.
خاتمة
أدى إذن تزايد حدة التوتر في العلاقات الدولية نتيجة الأزمات والتسابق والتنافس حول مناطق النفوذ، وكذا تضارب مصالح الدول في أوربا وإفريقيا إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، ما سيترتب عنه تغير في الأوضاع العالمية.
شرح المصطلحات
- السلاف: القومية الرئيسية في أوربا الشرقية، وتشمل عدة عناصر من أبرزها الروس والصرب والهنغاريين.
- البلقان: منطقة كبرى في جنوب شرق أوربا تضم بعض البلدان في طليعتها اليونان وصربيا وبلغاريا ورومانيا وألبانيا.
- دول الوسط : ألمانيا – الإمبراطورية النمساوية الهنغارية – الإمبراطورية العثمانية – بلغاريا.
- دول الوفاق أو الحلفاء: فرنسا – بريطانيا – روسيا القيصرية – الولايات المتحدة الأمريكية وايطاليا.