الثورات الإجتماعية والسياسية: الثورة الفرنسية
تقديم إشكالي
لم يستطع النظام الملكي في فرنسا خلال القرن 18م مسايرة تحولات المجتمع الفرنسي، مما أدى إلى تضافر مجموعة من العوامل لقيام الثورة الفرنسية ما بين 1789 و 1799م.
- فما هي عوامل هذه الثورة؟
- والمراحل التي مرت بها؟
- وما أهم النتائج الناتجة عنها؟
أدت مجموعة من العوامل إلى قيام الثورة الفرنسية
كانت فرنسا قبل الثورة خاضعة للملكية المطلقة
كان الملك لويس السادس عشر مثل أسلافه يحتكر جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مروجا لفكرة الحق الإلهي التي ترى بأن الحاكم يستمد سلطته من الله، وبالتالي فطاعته واجبة على المواطنين.
وضعية المجتمع الفرنسي قبيل الثورة
قام المجتمع الفرنسي على مبدأ اللامساوة بين الفرنسيين أمام القانون، مما أدى إلى تشكل ثلاث هيئات اجتماعية:
- هيئة النبلاء: كانوا يمثلون %1،5 من مجموع الفرنسيين، لكنهم كانوا يجمعون بين الثروة والحكم، حيث تمتعت بالعديد من الامتيازات، فلها أراضي واسعة ومعفية من الضرائب، وكانت تشغل المناصب العليا في الإدارة والجيش.
- هيئة الإكليروس (رجال الدين): مارست هذه الهيئة تأثيرا روحيا كبيرا على الفرنسيين، كانوا يمثلون %1 من سكان فرنسا، استحوذت على حوالي %10 من الأراضي الفرنسية، تمتعت بعدة حقوق كحق أداء ضرائب أقل للدولة.
- الهيئة الثالثة: تضم باقي أفراد الشعب الفرنسي، أي حوالي %96 من المجتمع ، والتي ضمت البورجوازية التي كان لها نفوذ اقتصادي واجتماعي لكنها كانت تفتقر إلى الحكم، وكذلك الطبقة الفقيرة التي شملت كلا من العمال والحرفيين وصغار الفلاحين، وقد عانت من الظلم الاجتماعي، فبالإضافة إلى ما كانت تؤديه من حقوق إلى الكنيسة والنبلاء ناءت تحت ثقل الضرائب التي تدفعها إلى الدولة بأشكال مختلفة.
عجلت الأزمة الاقتصادية والمالية باندلاع الثورة
في سنة 1786م عقدت فرنسا معاهدة تجارية مع بريطانيا مما أدى إلى غزو المنتوجات الإنجليزية للسوق الفرنسية، وبالتالي إلحاق الضرر بالبورجوازية الفرنسية.
عانت ميزانية الدولة الفرنسية من عجز كبير، حيث كانت المصاريف أكثر من المداخيل.
شهدت فرنسا سنة 1789م موسما فلاحيا رديئا نتج عنه ارتفاع سعر القمح والخبز، وانخفاض الأجور، وانتشار البطالة، وبالتالي قيام انتفاضات في المدن والبوادي.
مرت الثورة الفرنسية بثلاث مراحل "1789–1799م"
تميزت المرحلة الأولى بإقامة الملكية الدستورية
تميزت هذه المرحلة (14 يوليوز 1789م – 10 غشت 1792م) بقيام ممثلي الهيئة الثالثة بتأسيس جمعية وطنية يوم 17 يونيو 1789م كبديل لمجلس الهيئات العامة، وقد ساند سكان باريس هذه الجمعية بتنظيم انتفاضة عامة واحتلال سجن لاباستي رمز الاستبداد يوم 14 يوليو 1789م، فاضطر الملك لويس السادس عشر بعد ذلك إلى الاعتراف بالجمعية الوطنية، وبعد ذلك ألغيت الامتيازات الفيودالية، وتم إصدار إعلان حقوق الإنسان والمواطن يوم 26غشت 1789م، ووضع أول دستور للبلاد يوم 3 شتنبر 1791م فدخلت البلاد عهد الملكية الدستورية.
عرفت المرحلة الثانية قيام النظام الجمهوري
تميزت هذه المرحلة (10 غشت 1792م – 27 يوليوز 1794م) بظهور خلافات داخل الأوساط الثورية بين ممثلي البرجوازية المؤيدين للملكية الدستورية والراغبين في إيقاف المد الثوري وتحقيق الاستقرار، وممثلي الأوساط الشعبية الراغبين في تصعيد الثورة وتحقيق إصلاحات جذرية، وقد تمكنت فعلا الأوساط الشعبية من إسقاط الملكية الدستورية وإقامة نظام جمهوري يوم 10غشت 1792م بزعامة روبسبيير، وتميزت هذه الفترة بالتشدد، حيث تم إعدام الملك لويس السادس عشر وعدد مهم من الشخصيات البرجوازية المعتدلة، فدخلت فرنسا مرحلة رعب كبير.
عرفت المرحلة الثالثة عودة البورجوازية المعتدلة إلى الحكم
تميزت هذه المرحلة (27 يوليوز 1794م – 9 نونبر 1799م) بتصاعد موجة الإعدامات فتخوفت الأوساط المعتدلة وعملت على تصفية زعيم الثوريين روبيسبيير وعدد من أنصاره، ثم الاستيلاء على الحكم يوم 27 يوليو 1794م، وخلال هذه المرحلة حافظت البرجوازية على النظام الجمهوري لكنها وضعت دستورا جديدا لصالحها، واستعانت بالجيش لضبط الأمن، ولحماية مصالحها سعت كذلك إلى إقامة نظام سياسي قوي، فشجعت نابليون بونابرت على القيام بانقلاب عسكري يوم 10 نونبر 1799م وتعويض النظام الجمهوري بنظام إمبراطوري.
نتائج الثورة الفرنسية
النتائج السياسية للثورة الفرنسية
بمقتضى الثورة الفرنسية أصبح الشعب الفرنسي ينتخب أعضاء البرلمان الذي يمارس السلطة التشريعية وتنبثق عنه الحكومة التي تزاول السلطة، غير أن الانتخاب كان مقتصرا على الذكور الذين يؤدون الضرائب، ولهذا كانت الديمقراطية ناقصة وتخدم بالدرجة الأولى مصلحة البورجوازية.
أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي الذي تضمن عدة حقوق من أبرزها: فصل الدين عن الدولة، وحرية التعبير، وإقامة المساواة المدنية، وتكافؤ الفرص، وحق الملكية والأمن ومقاومة القمع.
النتائج الاقتصادية والاجتماعية
في الميدان الاقتصادي: أزالت الثورة النظام الاقتصادي القديم وفتحت المجل أمام تطور النظام الرأسمالي بإصدار تشريعات لتشجيع التجار والصناع عن طريق تحرير الاقتصاد من رقابة الدولة، وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، واعتماد مكاييل ومقاييس جديدة وموحدة كاللتر والمتر وغيرها.
في الميدان الاجتماعي: قضت الثورة على العلاقات الاجتماعية القديمة بإلغاء الحقوق الفيودالية، وامتيازات النبلاء، ومصادرة ممتلكات الكنيسة، كما أقرت مبدأ إجبارية ومجانية التعليم كوسيلة لضمان تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، كما عملت على توحيد اللغة بين مختلف جهات فرنسا وتعميمها لدى السكان.
خاتمة
قضت الثورة الفرنسية على امتيازات الإقطاعية وعززت مكانة البورجوازية ووضعت أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد واكبتها الثورة الصناعية التي انطلقت من إنجلترا.