وضعية الانطلاق
الكثيرون يعزفون عن نُصْحِ إخوانِهم، إمَّا حياءً أو انزواءً وانطواءً على أنفُسِهم،وفي بعض الأحيان يظنون أن النصح تدخل في خصوصيا الآخرين وهذا ليس من هدْي رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – الَّذي قال: ((المسلِم الَّذي يُخالط النَّاس ويصْبِر على أذاهم خيرٌ منَ المسلم الَّذي لا يُخالط النَّاس ولا يصبر على أذاهم))، فالمسلم صاحب رسالة؛ فلا بدَّ له أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفْسه.
- فما موقفك مما ورد في الوضعية؟
- و هل للنصيحة تأثير على الفرد و المجتمع؟
عرض النصوص
قال تعالى:{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (سورة الأَعراف 62) قال تعالى: { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (سورة الأَعراف 79) عن تميم بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”الدين النصيحة قلنا :لمن يا رسول الله؟ قال:لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” رواه البخاري ومسلم |
فهم النصوص
معاني الكلمات
- وأنصح لكم: أريد لكم الخير لا غير.
- فتولى عنهم: بعد أن هلكوا نظر إليهم صالح وهم جاثمون وقال راثياً لحالهم {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي} إلى قوله {ولكن لا تحبون الناصحين} ثم أعرض عنهم وانصرف.
مضامين النصوص
- تبين الآيتين الكريمتين أن من وظائف الأنبياء والرسل النصح والإرشاد لأقوامهم.
- علامة قرب ساعة الهلاك إذا أصبح الناس يكرهون النصح ولا يحبون الناصحين.
- يبين الحديث النبوي الشريف أن النصيحة تكون لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم.
استخراج القيم والأحكام
- فضيلة النصح للمسلمين
- للنصيحة مجالات متعددة
تحليل عناصر المحور ومناقشتها
الدعوة إلى النصيحة وبيان أهميتها
مفهوم النصيحة
النصيحة لغة: هي الإخلاص في الشيء والعناية بها، والحرص على أن يؤدى كاملاً تاماً لا غش فيه ولا خيانة ولا تقصير، يقال في لغة العرب: ذهبٌ ناصح، أي ليس فيه غش. واصطلاحا:هي إرادة الخير للمنصوح له بإخلاص
أهمية النصيحة
النَّصيحة من هدْي المرسلين: ما من نبيٍّ أرْسله الله إلى قومه إلاَّ وقام فيهم ناصحًا آخِذًا بأيديهم من الظُّلُمات إلى النُّور:فهذا سيِّدُنا نوح – عليْه السَّلام – يقول لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 61 – 62].وهذا سيِّدُنا صالح – عليه السَّلام – يقول لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 79]. وها هو سيدنا شُعيب – عليْه السَّلام – يقول لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 93].
وقد كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كلها نصحا وإرشادا عن طريق الرحمة والمحبة والرفق والشفقة قال تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } (سورة آل عمران 159)
والنصيحة واجبة على كل مسلم تجاه نفسه أولا ثم تجاه الآخرين وهي حق من حقوق المؤمن على المؤمن قال صلى الله عليه وسلم:”حق المسلم على المسلم ست”وذكر منها: “وإذا استنصحك فانصح له”
إذًا؛ فلا بدَّ لكلِّ مسلم أن يُبادرَ بالنَّصيحة حتَّى ولو لَم يُطْلَب منه؛ لأنَّ المسلمين كالجسد الواحد
قال ربُّنا – سبحانه وتعالى – على لسان لقمان الحكيم وهو ينصح ابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]،
فالنصيحة تحفظ للأمة تماسكها وللمجتمع توازنه وقوته
مواصفات الناصح الأمين
ليكون الناصح أكثر فعالية وتأثيرا وينتفع الناس بنصحة لا بد له من التحلي بالآداب الآتية:
إخلاص النية لله في النصح
أن يقصد الناصح وجه الله قال صلى الله عليه وسلم:”إنما الأعمال بالنيات” الستر وعدم التشهير: من بليغ الحكمة: النصيحة في الملأ فضيحة. وكان شعار النبي -صلى الله عليه وسلم-:«ما بال أقوام؟» حتى غدت مثلًا. وكان السلف – رضى الله عنهم – إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًّا؛ حتى قال بعضهم: مَن وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه. وقال الفضيل بن عياض -: المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك على انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نــوع من التوبيخ لا أرضى سماعـه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعـــة
الرفق واللين عند النصح
أرسل الله عز وجلَّ رسوليه الكريمين موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون، وما أدراكَ ما هو! فقال لهما: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 43، 44]، وقال مُذكِّرًا نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمفتاح القلوب: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، ومن الشواهد العملية على ذلك أنَّ أعرابيًّا بال في المسجد، فهمَّ به الصحابة فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتركه وعلَّم الرجل تعليمًا رفيقًا رقيقًا وقال لأصحابه «إنَّما بُعثتم مُيسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين” .قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه:يا أبت, ولقمان الحكيم مع ابنه: يا بني
العمل بالنصيحة
أن يكونَ قُدْوةً فيفعلُ ذلك أمام الناس المرة والمرتين ليقتدي به مُقتدٍ ويتعلَّم مُتعلِّمٌ على سبيل نجاةٍ.قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } (سورة الصف 2 – 3) وقال تعالى: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } (سورة البقرة 44)