تمهيد
بعد ان بين تعالى : في الايات السابقة عاقبة الانانية والكبر والغرور من خلال قصة صاحب الجنتين ، يذكرنا تعالى في هذه الايات بعظمته وقدرته على البعث ، وبطلان حجج الجاحدين الذين يتخذون من ابليس اللعين القدوة المتبعة ، كما يرشدنا الى اتباع ما نزل في القرآن الكريم وما جاء به المرسلون من التعاليم الهادية الى الحق.
- فكيف بينت الآيات بطلان حجج الجاحدين ؟
- وما التوجيهات الاسلامية الهادية الى طريق الحق كما وردت في الايات ؟
القراءة والفهم
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) ۞ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59) سورة الكهف من الاية : 45 الى 59 |
شرح المفردات والمعاني
- هشيما: يابسا متفتتا
- تذروه: نفرقه وتنسفه
- الباقيات الصالحات: ذكر الله تعالى وعبادته
- بارزة: ظاهرة
- نغادر: نترك
- مشفقين: خائفين مرتجفين لما رأوا من أعمالهم
- ويلتنا: هلاكنا
- أحصاها: عدها وأثبتها
- ففسق عن أمر ربه: حاد عن الطريق المستقيم
- عضدا: سندا وعمادا/ أعوانا وأنصارا؛
- موبقا: مهلكا/ حاجزا ومانعا
- فظنوا: تيقنوا وعلموا
- مواقعوها: واقعون فيها لا محالة
- صرفنا: بينا ووضحنا
- قبلا: أنواعا أو عيانا/ ومواجهة
- ليدحضوا به الحق: ليدفعوه ويمنعوه من الانتشار
- أكنة: حواجز وموانع لجحودهم وعنادهم
- وقرا: صمما وثقلا في السمع
- موئلا: ملجأ ومخلصا
- لمهلكهم: لهلاكهم
المضامين
- 45-44: بيانه تعالى حقارة الدنيا وسرعة زوالها، وتقريره أن المال والبنون لا يعدوان كونهما زينة، يتجمل بهما الانسان ساعة ثم يزولان، بخلاف العمل الصالح الذي يجني العبد ثمرته يوم القيامة.
- 48-46: تصف هذه الآيات بعض أهوال يوم القيامة وحال الجاحدين عند اطلاعهم على كتاب أعمالهم.
- 52-49: يذكر الله تعالى بني آدم بعداء إبليس لهم ثم ينكر عليهم اتخاذه وذريته أولياء من دون الله.
- 58-53: تبين الآيات أن الحكمة من إنزال القرآن ويعثة الرسل هو: عرض الحجج على الناس، وتبشير المؤمنين وإنذار الكافرين، كما تبين عاقبة المعرضين عن آيات الله.
المعنى الاجمالي للآيات
- مثل الحياة الدنيا : المال والبنون جمالٌ ومتعة للناس في هذه الحياة الدنيا ولكنْ لا دوامٍ لشيءٍ منها. وقد بين الله تعالى ما هو الباقي فقال: {والباقيات الصالحات خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} ، فإن الاعمال الصالحةَ التي تنفع الناس، وطاعة الله خيرٌ عند الله يُجزل ثوابها، وخير املٍ يتعلّق به الانسان.
- تسيير الجبال والحشر وعرض صحائف الأعمال يوم القيامة : يخبر الله تعالى عن أهوال القيامة وما فيها من الأمور العظام، وتغير معالم الأرض والحشر، والعدل المطلق في رصيد أعمال الناس جميعا بكتب وصحائف شاملة، يتبين منها أن أساس النجاة: هو اتباع ما أمر به الدين، وترك ما نهى عنه.
- قصة السجود لآدم عليه السلام : تنبيه لبني آدم على عداوة إبليس لهم، ولأبيهم من قبلهم، وتقريع لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه
- بيان القرآن ومهمة الرسل وظلم المعرض عن الإيمان وسبب تأخير العذاب لموعد معين : بيان كثرة الأمثال في القرآن لمن تدبر فيها،لكن الكفار لا يتركون المجادلة الباطلة، فهددهم تعالى على عدم الإيمان متسائلا: هل هناك مانع يمنعهم من الإيمان إلا نزول عذاب الاستئصال، أو مجيئه عيانا؟ وأبان أن مهمة الرسل هي تبشير المؤمنين بالجنان وإنذار العصاة بالنار، وأوضح أن أشد الناس ظلما هو المعرض عن هداية القرآن، ولله الفضل العظيم في تأخير العقاب عن الناس، وتخصيصه بموعد، لا يتجاوزه، لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
الدروس والعبر المستفادة من الايات
القيم التي ينبغي أن يزكي بها المرء نفسه من خلال الآيات السابقة هي :
- المال والبنون حرث الدنيا، والأعمال الصالحة حرث الآخرة.
- على المسلم أن يؤثر ما يبقى على ما يفنى، وأن يعمل صالحا ليوم الحساب.
- سجل الأعمال شامل ودقيق ولا يملك صاحبه تفلتا ولا هربا، ولا يظلم الله أحدا.
- تلبية دواعي المعصية بمثابة اتخاذ إبليس وذريته أولياء.
- القرآن ليس للتسلية بل للعظة والادكار.
- الانسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل إلا من هداه الله.
- من رحمة الله بالناس تأخير العذاب حتى يراجع العاصي نفسه.
- إهلاك الظالمين سنة الله التي لا تتخلف.