مفهوم الدولة
المحور الأول: مشروعیة الدولة وغاياتها
من أین تستمد الدولة مشروعیتها، من الحق أم من القوة ؟ وكیف یكون وجود دولة ما مشروعا ؟
موقف ماكس فیبر
یعتبر أن السیاسة هي مجال تدبیر الشأن العام وتسییره. وما الدولة إلا تعبیر عن علاقات الهیمنة القائمة في المجتمع، وهذه الهیمنة تقوم على المشروعیة التي تتحدد في ثلاث أسس تشكل أساس الأشكال المختلفة للدولة، وهي سلطة الأمس الأزلي المتجذرة من سلطة العادات والتقالید، ثم السلطة القائمة على المزایا الشخصیة الفائقة لشخص ما، وأخیرا السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعیة بفضل الاعتقاد في صلاحیة نظام مشروع وكفاءة ایجابیة قائمة على قواعد حكم عقلانیة.
موقف هوبز
یرى أن الدولة تنشأ ضمن تعاقد إرادي ومیثاق حر بین سائر البشر، حتى ینتقلوا من حالة الطبیعة (حرب الكل ضد الكل) إلى حالة المدنیة. وبذلك ستكون غایة الدولة هي تحقیق الأمن والسلم في المجتمع.
موقف سبینوزا
یرى أن الغایة من تأسیس الدولة هي تحقیق الحریة للأفراد والاعتراف بهم كذوات مسؤولة وعاقلة وقادرة على التفكیر، وبالتالي تمكین كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبیعي في الوجود باعتباره وجودا حرا.
موقف هیجل
یرى أن مهمة الدولة هي أبعد من ذلك وأعمق وأسمى. فالفرد في رأیه یخضع للدولة وینصاع لقوانینها لأنها تجسد فعلیا الإرادة العقلانیة العامة، والوعي الجماعي القائم على الأخلاق الكونیة، لأنها تدفع بالمرء للتخلص من أنانیته بحیث ینخرط ضمن الحیاة الأخلاقیة. فالدولة في نظره، هي أصدق تعبیر عن سمو الفرد ورقیه إلى الكونیة. فهي بذلك تشكل روح العالم.
المحور الثاني: طبيعة السلطة السیاسیة
هل یمكن حصر السلطة السیاسیة في أجهزة الدولة أم أن السلطة هي قدرة مشتتة في كل المجتمع ؟ هل هي متعالیة عن المجال الذي تمارس فیه أم هي محایثة له ؟
موقف مونتسكیو
عالج مونتسكیو في كتابه "روح القوانین" طبیعة السلط في الدولة، إذ یصادر على ضرورة الفصل بین السلط داخل الدولة، حیث ینبغي في نظره استقلال السلطة التشریعیة عن التنفیذیة عن القضائیة والفصل بینهم. والهدف من هذا الفصل والتقسیم هو ضمان الحریة في كنف الدولة.
موقف میشیل فوكو
یحصر السلطة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة ویبلور تصورا أصیلا للسلطة، إذ یرى أنها لیست متعالیة عن المجال الذي تمارس فیه، بل هي محایثة له، إنها الاسم الذي یطلق على وضعیة استراتیجیة معقدة في مجتمع معین تجعل مفعول السلطة یمتد كعلاقات قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي.
موقف دو وكفیل
یرى أن الصفات الجدیدة التي أصبحت تتحلى بها الدولة، في ممارستها السیاسیة، هي تلبیة متع الأفراد ورغباتهم وتحقیق حاجیاتهم الیومیة، لكن هذه الامتیازات یرى أنها كانت على حساب إقصائهم من الحیاة السیاسیة، الأمر الذي أدى إلى تقلیص الحریات وتدني الوعي السیاسي لدیهم، وبالتالي تحول الأفراد إلى قطیع تابع وفاقد للإرادة.
المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف
هل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون ؟ بالحق أم بالعنف ؟
موقف مكیافیللي
یركز على ضرورة استعمال جمیع الوسائل ومن ضمنها العنف لیحافظ الأمیر على السلطة السیاسیة وليمارس إخضاع الرعیة بالرغم من أنه لا یقول بأولیة العنف، لكن یكفي ذلك لنستنتج أن العنف مكون من مكونات الدولة أي أساس من أسسها الهامة.
موقف ماكس فیبر
یرى أن ما یمیز الدولة بالأساس هو احتكارها للعنف الشرعي، أي أنه لا توجد أیة جهة تمتلك شرعیة استعمال العنف ما عدا الدولة.
موقف ماركس
یعتبر الدولة جهازا طبقیا یخدم مصالح الطبقات السائدة سیاسیا لأنها سائدة اقتصادیا. وهكذا یكون العنف وسیلة مركزیة معبرا عنها بالأجهزة القمعیة إلى جانب الأجهزة الإیدیولوجیة.
مفهوم الحق و العدالة
المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي
هل للعدالة ارتباط بالحق الطبیعي أم بالحق الوضعي ؟ هل یمكن تحقیق العدالة خارج القوانین أم تشترط الارتباط بها ؟
موقف طوماس هوبس
یؤكد أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي وتتعارض مع الحق الطبیعي، لأن الحق الطبیعي یحتكم إلى القوة ویخضع لتوجیهات الغریزة والأهواء، مما یجعله حقا یقوم على الحریة المطلقة التي تبیح للفرد القیام بكل ما من شأنه أن یحفظ حیاته (العدوان ،العنف..)، أما الحق الوضعي فهو حق یحتكم إلى القوانین والتشریعات المتعاقد علیها، ویخضع لتوجیهات العقل مما یجعله یحد من الحریة المطلقة لكنه یضمن حقوق الأفراد ویحقق العدل والمساواة، وبذلك یخلص هوبس إلى أن العدالة ترتبط بالحق الوضعي أي بالحریة المقننة بالقوانین والتشریعات و تتعارض مع الحریة المطلقة التي تستند إلى القوة والغریزة.
موقف جان جاك روسو
یمیز بین حالة الطبیعة التي یخضع فیها الأفراد لأهوائهم ورغباتهم بحیث تطغى علیهم الأنانیة والذاتیة ویحتكمون إلى قوتهم، و بین حالة التمدن التي یمتثل فیها الأفراد لتوجیهات العقل ویحتكمون إلى القوانین والتشریعات في إطار عقد اجتماعي یساهم الفرد في تأسیسه ویلتزم باحترامه وطاعته ویمارس حریته في ظله. إذن فالعقد الاجتماعي یجسد الإرادة العامة التي تعلو على كل الإرادات الفردیة، فالامتثال والخضوع للعقد الاجتماعي هو خضوع للإرادة الجماعیة التي تحقق العدل و المساواة و تضمن الحقوق الطبیعیة للأفراد وبذلك فالامتثال للقوانین التي شرعها العقد لا تتعارض مع حریة الفرد مادام العقد الاجتماعي هو تجسید لإرادة الأفراد.
المحور الثاني: العدالة كأساس للحق
ماهي طبیعة العلاقة بین العدالة و الحق ؟ أیهما أساس الآخر؟ هل تقوم العدالة على أساس الحق والفضیلة ؟
موقف اسبینوزا
یعتبر أن هناك مبدأ تقوم علیه الدولة الدیموقراطیة وهو تحقیق الأمن والسلام للأفراد من خلال الاحتكام للقوانین التي وضعها وشرعها العقل وتم التعاقد علیها، وبذلك یتم تجاوز قوانین الطبیعة التي تحتكم إلى الشهوة والغریزة وتستند إلى القوة الفردیة مما یؤدي إلى انتشار الفوضى والظلم والعدوان والكراهیة والصراع ، فالقانون المدني الذي تجسده الدولة كسلطة علیا هو قانون من وضع العقل و تشریعه، لذلك یجب على الأفراد الامتثال له والخضوع له حفاظا على حریتهم وحقوقهم لأنه یجسد العدالة و یسمح بأن یأخذ كل ذي حق حقه بذلك تتحقق المساواة والإنصاف من خلال ضمان حقوق الجمیع وعدم التمییز بینهم سواء على اساس طبقي أو عرقي أو جنسي أو غیرهم.
موقف فریدیریك فون هایك
عرف السلوك العادل بأنه سلوك یكفل الحق في منظومة قانونیة وشرعیة في إطار مجتمع تسوده الحریة، حیث لا تعكس العدالة دلالتها إلا في نظام شرعي. فالقانون الذي یستند على قواعد العدالة له مقام استثنائا لا یجعل الناس یرغبون في أن یحمل إسما ممیزا فحسب بل یدفعهم أیضا إلى تمییزه بوضوح عن تشریعات أخرى تسمى قوانین، ولعل مبرر ذلك یكمن في أنه لو شئنا الحفاظ على مجتمع تسوده الحریة فإن ذلك القسم من الحقوق الذي یقوم على القواعد العادلة هو وحده الكفیل بأن یكون ملزما للمواطنین ومفروضا على الجمیع.
المحور الثالث: العدالة بين الإنصاف والمساواة
إذا كانت العدالة هي تحقیق المساواة فهل یمكن تحقیقه لجمیع الأفراد داخل المجتمع؟
موقف أفلاطون
یرى أن العدالة تتحدد باعتبارها فضیلة تنضاف إلى فضائل ثلاث هي: الاعتدال والشجاعة والحكمة ، فالعدالة حسب هذا الأخیر هي أن یؤدي كل فرد الوظیفة المناسبة لقواه العقلیة والجسدیة والنفسیة، فهي (أي العدالة) تتحقق على مستوى النفوس حیث یحدث انسجام بین القوى الشهوانیة والعقلیة لدى الإنسان فالضامن الوحید لتحقیق الفضیلة والعدالة هو الدولة التي تملك سلطة القانون والحكمة وتبعا لذلك فإن الوظائف التي تستدعي قدرات عقلیة وانسجام الغرائز مع العقل ستكون من نصیب الحكماء والفلاسفة لأنهم هم القادرون على تحقیق الحق والعدالة.
موقف دافید هیوم
(من رواد المدرسة التجریبیة) العدالة بالنسبة إلیه تفقد معناها عندما تكون غیر ذات نفع، ویدعو إلى التصرف أكثر إنصافا من أجل مصلحة ما، حیث ما وجدت مصلحة وجدت العدالة مادام الإنسان یمیل بطبیعتها إلى تحقیقها. وهناك من یذهب إلى السخریة من العدالة لاستحالة تحقیقها، أما الإنصاف فیتحقق بفعل العرف الذي یعتبر بمثابة الأساس الروحي لسلطته وسببا في القبول به، هذا ما عبر عنه أحد المفكرین یدعى باسكال.