2012 الدورة الإستدراكية جهة الشاوية ورديغة: الامتحان

الصورة السينمائية

تعتبر الصورة السينمائية صورة متحركة بالأساس، وهي بذلك تتخـــذ معنى يختلف في كثير من جوانبه عن ذلك الذي يعطى للصورة الفوتوغرافية. فالحركة عنصر مكون من مكونات الصورة السينمائية، كالصوت الذي يضيف إلى الصورة تلك الكائنات والأشياء التي نشعر بها في الحياة الواقعية، الأمر الذي يؤدي إلى خلق شعور بالواقع لدى المشاهـد وتعـزيز الاعتقـاد لديه بأن ما يجري على الشاشة هو من صميم الوجود الموضوعي.

الصورة إذن تعبير فكري بصري وإبداع يسلك سبيل التخيل والحكي لترجمة أفكار ومعان مستمدة من التربة الثقافية التي يتحرك فيها الخطاب السينمائي. من هنا كانت الصورة تخـتزن أشياء كثيرة، ومن ثم دلالات متعددة، لأن كل مـتـلـق لها يساهـم في إعطائها معنى وقيمة، لذلك فالصورة التي يدركها المتلقي الأوروبي ليست الصورة نفسها التي يتفاعل معها الإنسان العربي أو الإفريقي، فقراءتها تتأثر بالانتماء الاجتماعي والثقافي للمشاهد.

إن الصورة السينمائية هي صورة لشئ ما، ولذلك يجوز القول بأنه يصعب عليها أن تعيد إنتاج الواقع، بشكل موضوعي، لأن الواقع الذي يظهر في الصورة هو نتاج إدراك ذاتي للعالم، هو إدراك المخرج، بطريقة تسمح له بالتعبير عما يريد، حسيا وعـقـليا. إن الصورة السينمائية، تعبر عن تدخل إبداعي خصوصي لإعادة ترتيب الأشياء وإعادة صياغة عناصر الواقع في شكل صور وأصوات تحكي عن موضوع أو رواية أو قضية ما. لذلك فإن الصور السينمائية تركب واقعا اعتباطيا يختلف عن الواقع العيني. فهي في تسلسلها وترتيبها المكاني والزماني تنسج حكيا متقطعا أو متصلا يتميز عـما يتحرك في الواقع ، ومن ثم فالسينما تخـلق علاقات جديدة وتقـدم واقعا جديدا.

أمام الصورة السينمائية إذن نكتسب وعيا بواقع منظم، ووعينا بهذا الواقع، هو في حقيقة الأمر، وعي بوعي المخرج بالواقع، فالصورة ليست مباشرة طالما أنها نتيجة اختيار وإرادة، ولكنها مباشرة بالنسبة  للمتفرج، لذلك فإنها بقدر ما تستوحي بعض مكوناتها الرمزية من الواقع ، بقدر ما تنفصل عنه وتنسج واقعا إبداعيا متخيلا، مغايرا، لأن لها قدرة هائلة على تحـوير أشياء وموضوعات الواقع وأفكار ورؤى الفاعل السينمائي في نسيج سردي، يركب معطيات الواقع بطريقة جديدة.

نور الدين أفاية – السينما الكتابة والهوية – مجلة الوحدة العدد 37 لسنة 1987 ص 25 وما بعدها (بتصرف).