اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية
إحياء النموذج - نموذج شعري 1-1
لي في من مضى مثل (محمود سامي البارودي)
الأستاذ: حسن شدادي
الفهرس
I- النص
II- تمهيد
III- دلالة العنوان
IV- فرضية النص
V- قضية النص
VI- وحدات النص
VII- المعجم
IIX- تحليل النص
1-8/ البنية الايقاعية
2-8/ الصور الشعرية
3-8/ الأساليب
IX- تركيب وتقويم
I- النص
لي في من مضى مثل
II- تمهيد
فقد الشعر العربي، في عصر الانحطاط، كثيرا من عناصر قوته وحيويته، لاعتماده على التقليد والاهتمام بالشكل، والاعتناء باللفظ على حساب المعنى، واقتصاره على بعض الأغراض التي تأتي مع المناسبات من مدح وتهنئة ورثاء وهجاء...، لكن في عصر النهضة أصبحت غاية شعراء البعث انتشال الشعر من مستنقع الرداءة الذي غاص فيه، فبدأ ينتعش، واستعاد شيئا من قوته التعبيرية وأخذ يرتبط بالحياة من جديد. وحمل مجموعة من الشعراء لواء هذه الحركة، نذكر منهم أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وجميل صدقي الزهاوي ومعروف الروصافي، والجواهري من المشارقة. ومن المغاربة نجد علال الفاسي ومحمد المختار السوسي ومحمد الحلوي ومحمد بن إبراهيم، ويعد صاحب النص من الرواد المصريين لهذه الحركة، لدرجة اعتبار بعض النقاد له المؤسس الحقيقي لها، ومن الذين ساهموا في إعادة الاعتبار للشعر العربي القديم، من خلال مجموعة من القصائد التي تمثل فيها نهج القدماء. فإلى أي حد تمثل قصيدته " لي فيمن مضى مثل" إحياء النموذج شكلا ومضمونا؟
III- دلالة العنوان
جاء العنوان "لي فيمن مضى مثل" جملة اسمية مكونة من "لي" شبه جملة وهو متعلق بخبر محذوف لمبتدأ مؤخر، و"فيمن مضى" شبه جملة وصلة متعلقان بالخبر الذي تعلق به الجار والمجرور الأول، و"مثل" مبتدأ مؤخر سوغ تأخيره كونه نكرة، أما من الناحية الدلالية فيعبر العنوان- وهو عنوان من وضع لجنة التأليف- صراحة على أن الشاعر ينظر إلى القدماء "من مضى" على أنهم القدوة والأسوة والمثال، وقد عبر عن هؤلاء بمن، وهو اسم موصول شائع في جنسه، وإذا علمنا أن صاحب النص شاعر فالآكد أنهم سيتخذهم مثالا في الشعر.
IV- فرضية النص
اعتمادا على دلالة العنوان وشكل القصيدة الذي يبدو محاكيا للقصيدة العمودية وبدايتها واسم الشاعر، واتكاء على بعض المشيرات النصية مثل:( الأبيات 4 و6 و17) نفترض أن القصيدة تقليدية تندرج ضمن خطاب إحياء النموذج، يعبر فيها الشاعر عن افتخاره بنفسه. فما هو المضمون الكلي للقصيدة، وما وحداتها الدلالية؟ وما الحقول الدلالية المهيمنة؟ وما الأساليب الفنية التي وظفها الشاعر في قصيدته؟ وما مدى تمثيل النص للاتجاه الإحيائي شكلا ومضمونا؟
V- قضية النص
ارتباطا بمكون الدلالة في النص، نسجل أنه على عادة الشعراء العرب القدامى استهل الشاعر قصيدته بمقدمة وجدانية ذكر فيها الحالة التي هو عليها بعد تصرم الصبا وأيام الفتوة، من جزع وضجر وأشواق وأحداث.. لينقل الحديث إلى مظاهر الفخر والفروسية والشجاعة عند خروجه إلى الصيد بمعية رفقة له على متن فرس عربية أصيلة في وقت الغداة طلبا للمتعة ودون التفريط في المروءة رابطا أجواءها بأجواء ساحة الحرب. ليختتم القصيدة بتقديمه للقارئ بإرشادات وحكما تعبر عن رأيه وتقوم على منظومة القيم النبيلة الاصيلة من مثل: الصدق/ الواقعية/ التأمل.
VI- وحدات النص
- من البيت 1 إلى 4: استهلال الشاعر نصه بمقدمة وجدانية يشكو فيها ولعه رغم تقدم سنه.
- من البيت 5 إلى 14: الفخر بالفروسية من خلال وصف الفرس والسيف.
- من البيت 15 إلى البيت 18: وصف الصيد وما يتحقق فيه من لذة وعزة ومروءة.
- من البيت 19 إلى آخر القصيدة: الختم ببعض الحكم المتضمنة لآداب وفضائل العرب الأسلاف.
في ضوء ما سبق، يتبين أن النص متعدد المفاصل والأغراض: وهذا ملمح واضح من ملامح إحياء النموذج، وإن كان ينتظمها خيط دلالي واحد هو الفخر بالذات المتعددة البطولات: بطولة في الحب، وبطولة في الحرب، وبطولة في الحياة.
VII- المعجم
قد استعان الشاعر في التعبير عن هذه المعاني بمعجم شعري تتميز ألفاظه بالقوة والجزالة متأثرا في ذلك بالقدماء، كما أن الملاحظة المتمعنة في هذا المعجم تسفر عن تجاور حقلين دلاليين؛ حقل الجد" الفروسية والحرب والحكم" وحقل الهزل "الصيد والغزل"،
يمثل الحقل الأول الألفاظ التالية:" الجد / الجزع / الباترات / أشقر / مشتعل / مقداما / ماضي الغرار / الريث يحمد / يستحسن العجل...
ويمثل الثاني:" الصبا / الغزل / الهزل / المحبة / الحب / الجزع / الصيد.....
رغم ما يظهر من تضاد بين الحقلين إلا أن الشاعر جعل العلاقة تقوم بهما على أساس التكامل إشارة منه إلى ضرورة الجمع بين الجد والهزل لتحقيق التوازن النفسي.
وانطلاقا من هذا الجدول نستخلص أن النص اعتمد مدونة معجمية جاهزة بتوظيف ما تناثر في النص الشعري القديم من مفردات لم وكلمات وعبارات عتيقة لم تعد متداولة.. وهي سمة من سمات الشعر الإحيائي ومن خلفة النص الشعري التراثي أيضا.
IIX- تحليل النص
1-8/ البنية الايقاعية
وأما على مستوى البنية الإيقاعية فقد نظم الشاعر قصيدته، على وزن بحر الطويل، (مستفعلن فأعلن ×4) وعروضه وضربه مخبونان (حذف الثاني الساكن). والذي تنسجم تفاعيله وقوته مع غرض النص الأساسي ألا وهو الفخر. وبالإضافة إلى الوزن الشعر يتعزز إيقاع القصيدة بالتزام الشاعر وحدة الروي (اللام) المضموم ووحدة القافية(هلهزل) وقد وردت متراكبة، مطلقة مجردة من الردف والتأسيس وطويلة نسبيا لتتناسب مع الغرض الفخري الذي يستدعي طول النفس. يضاف إلى ذلك التصريع الوارد في مطلع القصيدة حيث تساوى العروض والضرب.
هذا من حيث الإيقاع الخارجي، أما فيما يتعلق بالإيقاع الداخلي للنص، فنميز فيه بين التكرار والتوازي، فالأول يظهر في تكرار حروف بعينها أهمها روي القصيدة تكرار اصامت: اللام.. + تكرار الصائت: الضمة.. + تكرار الكلمات: الغزل/ الهزل. عمل/ العمل.. + تكرار الصيغ الصرفية... فضلا عن بعض الموازنات الصوتية التي تتحقق بالتوازي التوازي المتعدد الاطراف صوتيا وصرفيا ودلاليا وتركيبيا كما في البيت التاسع "9"زرق حوافره.. مما يسهم في خلق الانسجام الصوتي ذي الوقع المريح والتأثير المرن على السامع..
وقد حقق النسق الإيقاعي الداخلي وظيفة مزدوجة؛ الدلالية (تقرير المعنى) والجمالية (تماسك النص وخلق جرس موسيقي)، وقد ظهر جليا من خلال هذه المرحلة في التحليل وفاء الشاعر البارودي للهيكل الهندسي للقصيدة التقليدية من خلال احترام خاصية نظام الشطرين ووحدة الوزن والقافية والروي والاحتفال بالتوازنات الصوتية.
IIX- تحليل النص
2-8/ الصور الشعرية
وإذا انتقلنا إلى الناحية الفنية نجد أن الشاعر اعتمد بعض الصور الشعرية، ملتزما بمكونات البلاغة القديمة، مثل التشبيه في البيت 13: (كأنه شعلة في الكف قائمة): تشبيه السيف أثناء تحريكه بالشعلة من النار تحركها الريح.. والأبيات 8 ـ يمر بالهام مر البرق ب11- ب13.. والاستعارة المكنية في البيت 3 (لكن قضاء خطه الأزل): استعار صفة الخط من الإنسان للأزل..
وقد أدت هذه الصور الشعرية كما عند القدماء وظيفة تزينية، كما أن القصد إثبات المعنى وتأكيده في ذهن المتلقي ترسيخا لشعرية تنحو منحى الوضوح، اذن لم يخرج البارودي عن تقاليد القصيدة العربية في استناده على طريقة الشعراء القدماء، التي تعتمد في صورها على الوصف بشكل كبير.
IIX- تحليل النص
3-8/ الأساليب
أما الأساليب فيمكن أن نميز فيها بين أسلوبين: إنشائي وخبري، ونجد الشاعر يقلد الشعراء القدامى في تغليب الأسلوب الخبري (رد، راح، عاد، وللمحبة فقد..) باستثناء الوحدة الدلالية الأخيرة التي حضرت فيها بعض الصيغ الإنشائية كالأمر (فاتبع هواك، واعرف، فارض به ..) وهذا الإخبار استدعى الإكثار من الأفعال الماضية لاسيما في المقدمة العاطفية، لأنها تعكس تجربة انقضت وغدت مجرد حلم تهفو إليه نفس الشاعر.. بينما طغت الأفعال المضارعة على وحدة الفخر بالفروسية لكونها تمثل مرحلة حاضرة ولا تزال قائمة..
وهذه الهيمنة للأسلوب الخبري، المتجسد في تقنيتي السرد والوصف، ينسجم والمضامين المتناولة التي تفترض إحاطة المتلقي بعوالم الشاعر المدهشة. كما أن الحضور البارز للأسلوب الإنشائي في نهاية القصيدة من خلال أسلوب الأمر الذي يدل على النصح والإرشاد.
وبخصوص حضور ضمير المتكلم فإن ذلك يتمشى وغرض القصيدة في الفخر، حيث أضفى الشاعر على نفسه صفات الفرادة (الفارس/ القائد/ الحكيم).
IX- تركيب وتقويم
مما سبق نخلص إلى أن هذا النص يتميز بالخصائص التالية: الحفاظ على البناء التقليدي للقصيدة " مقدمة وجدانية+ غرض أساسي"، وإعادة إنتاج نفس الأغراض الشعرية القديمة وتنويعها، ما ترتب عنه استقلال كل بيت شعري وبالتالي غياب الوحدة الموضوعية، فضلا عن استلهام نفس القيم الثقافية والأخلاقية والفنية التي كانت سائدة في الشعر القديم، واعتماد مدونة معجمية جاهزة، والالتزام بعمود الشعر، محافظا على الشطرين المتناظرين ووحدة الروي والقافية، واللغة الجزلة الفخمة، واستند في التصوير إلى صور شعرية حسية بيانية.
وتأسيسا على ما سبق، وفق الشاعر البارودي في مجاراته الشعراء القدامى، حيت تطرق للأغراض نفسها، وبنفس الطريقة وكأنه شاعر قديم تأخر به الزمان. فهل الشعر الكلاسيكي كله ينحو نفس المنحى؟ وما مظاهر التجديد في هذا التيار عند الشعراء اللاحقين؟