اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية

المنهج البنيوي - نص تطبيقي 4-2
من البنية إلى الدلالة (حسين الواد)

 

 

الأستاذ: حسن شدادي

 

الفهرس

 

I- النص

II- تمهيد

III- دلالة العنوان

IV- فرضية النص

V- إشكالية النص

VI- قضية النص

VII- تحليل النص

1-7/ الإشكالية المطروحة

2-7/ مصطلحات النص ومفاهيمه

3-7/ قضايا النص

4-7/ الإطار المرجعي

5-7/ أساليب العرض

IIX-  تركيب وتقويم

 


I- النص

 

من البنية إلى الدلالة

 

II- تمهيد

 

ظهر المنهج البنيوي كرد فعل ضد المناهج النقدية السابقة المهتمة بالارتباطات والعلاقات الخارجية للأدب أكثر من الأدب ذاته. وكان ظهوره مع التطورات الكبرى التي تحققت في مجال اللسانيات مع دوسوسير، وبالرغم من أنه لم يستعمل مفهوم البنية وإنما استعمل النظام، ومنذ أبان هذا المنهج عن كفاية إجرائية عليا وفعالية تلقفه بحماس علماء آخرون ينتمون إلى مجالات معرفية متعددة، ويعد الأدب واحد من هذه الحقول، كما تجلت البنيوية في الأدب في عدة تيارات نقدية: كالشكلانية الروسية، ولسانيات النص، والأسلوبية، والسرديات..، ويعد أول من طيق البنيوية على الأدب بمفهومها الدقيق، هما رومان جاكبسون وكلود ليفي ستراوس، ويهتم  التحليل البنيوي بتحليل المستويات المتعددة تكون النص (الصوتية، المعجمية، الإيقاعية، التركيبية، الدلالية..).

ومن مميزاته مقاربة النص الأدبي من الداخل عبر عزله عن ظروف إنتاجه الاجتماعية والنفسية. مركزا على بنية النص وما يكونه من لغة وأسلوب وأصوات وتراكيب، عبر خطوات إجرائية تبتدئ بالتحديد ثم العزل والتحليل وأخيرا التركيب.

ولجدية هذا المنهج وفعاليته في التحليل انجذب إليه كثير من النقاد العرب وطبقوه في دراساتهم للنصوص الأدبية، ومن بينهم: كمال أبو ديب، محمد مفتاح، صلاح فضل، عبد الله شريق، ومحمد الواسطي، وحسي الواد، وهو ناقد تونسي، مأخوذ من كتابه " في مناهج الدراسات الأدبية".

 

III- دلالة العنوان

 

إن تأملنا للعنوان يمكننا من تشطيره إلى شطرين اثنين ابتدأ أولهما بحرف الجر الدال على ابتداء الغاية. تليه كلمة البنية التي تشير إلى العناصر المكونة للعمل الأدبي في تعالقها وانسجامها من أجل إنتاج دلالة العمل الأدبي. بينما استهل المكون الثاني بحرف الجر الموحي بانتهاء الغاية تليه كلمة الدلالة، المقابل البسيط للمعنى أو للمضمون. مما يعني أن الناقد سينطلق من (من) البنية الداخلية للنص وصولا (إلى) إلى تحديد الدلالة العامة للأثر الأدبي.

 

IV- فرضية النص

 

 وإذا نحن جمعنا هذه الملاحظات – العنوان والمصدر وصاحب النص- فضلا عن بعض المعطيات النصية من قبيل افتتاح النص بقصيدة الشابي، والعناوين الفرعية، مع بعض المفاهيم الخاصة بالتحليل البنيوي كـ: البنية، المستويات.. والحضور الوازن للمصطلحات النحوية والعروضية.. نفترض أن النص مقالة نقدية سيقارب من خلالها الناقد قصيدة للشابي، باعتماد المنهج البنيوي مقاربة لا تعترف سوى بالنص ومكوناته والعلاقات القائمة بينها.

 

V- إشكالية النص

 

  • فما القضية النقدية التي يدور حولها النص ؟
  • وما عناصرها ؟
  • وما المفاهيم والقضايا الفرعية الواردة في ثنايا النص ؟
  • وما تجليات المنهج البنيوي في النص ؟
  • وإلى حد يستطيع هذا المنهج الكشف إمكانيات النص ؟

 

VI- قضية النص

 

انطلق الناقد في مقاربته من البنية العامة للقصيدة، والتي تعتمد على مجموعة من المستويات، وتتمثل في المستوى الإيقاعي والصوتي والتركيبي، بالإضافة إلى التقابل والتناظر في المقطعين الأول والثاني، لينتهي بدلالة القصيدة التي تنبني على التناظر الاضطراري الذي يقوم على الوزن الواحد والقافية من جهة، وعلى التقابل والتناظر على المستوى الدلالي من جهة أخرى. وإذا شئنا بسط ما أجملناه في إلى أفكار جزئية، فالتحليل قد مر بمستويين كبيرين، هما كالتالي:

قراءة في البنية العامة

1- الوقوف عند البنية العامة للنص وتشطيره إلى مقطعين بحسب إخراج الشاعر له. وإشارة الناقد إلى أن النص بني عموديا على وزن الكامل وقافية الباء المجرورة وعد دلك تناظرا اضطراريا بحكم نوعية القصيدة مع التنبيه إلى تناضر من نمط غير اضطراري؛ قافية لا يتخللها أي فعل، ومقطعان يستهلان بظرف (في) أو (فوق) وعد الاختلاف بين المقطعين متمثلا فقط في كونه في الأول أتى بيتا على ستة أبيات وفي الثاني بيتين على ثلاثة.

2- الانتقال إلى دراسة المقطع الأول تركيبيا وصوتيا ومعجميا، واستخلاص ما بين مكوناته (التركيبية+ الصوتية+ الدلالية+ المعجمية) من تناظر.

3- دراسة المقطع الثاني تركيبيا (ارتباطه بالأول بفاء التعقيب) ومعجميا (فوق وعلى تفقدان دلالتهما الحقة) وألفاظ هذا المقطع متناسقة، والبيت الأخير جواب على النداء ونفي له.

من البنية إلى الدلالة

هنا يسجل الناقد ما انتهى إليه من نتائج بخصوص علاقة البنية بالدلالة وجعلها محكومة بحركتين:

1- تناظرية: تقوم على الوزن والقافية الموحدين (ضرورية) وعلى الختم بأسماء، وتشابه المقطعين في احتواء كل منهما على ظرف وخطاب (غير ضرورية). كما شمل التناظر جل الأبيات: صورة تركيبية واحدة + ألفاظ متقاربة دلاليا + تكرار أصوات معلومة.

2- تقابلية: استعمال جمل فعلية وأخرى اسمية واقتضاء النداء لجواب ونفي النداء بالجواب والصدام بين الذات والليل الذي أثار فيها السخط وأجج آلامها فتوجهت إلى الكواكب.

 

VII- تحليل النص

 

1-7/ الإشكالية المطروحة

يطرح النص إشكالية بسيطة تتجلى في مقاربة النص الشعري من خلال توظيف آليات المنهج البنيوي، باعتبار النص بنية كلية مغلقة تتشكل من مستويات لغوية. كما يطرح ضمنا إشكالية عامة تتجلى في السؤال التالي: كيف نقرأ النص الأدبي ؟

 

 

2-7/ مصطلحات النص ومفاهيمه

وبالانتقال إلى الجهاز الاصطلاحي أو الشبكة المفاهيمية الموظفة في النص أمكننا جرد جملة من المصطلحات والمفاهيم وتصنيفها إلى حقوب دلالية وتبيان علاقاتها:

  • مفاهيم بنيوية: البنية، الدلالة، التقابل، التناظر، البنية الصوتية، التناسق، البنية العامة، المادة الصوتية..
  • مفاهيم أدبية شعرية: القصيدة، القافية، التراث الشعري، الذات، الأبيات، الوزن العتيق..

وبالمقارنة بين هذين النوعين من الحقلين المفاهيميين نلاحظ أن هناك نوعا من الانسجام والتكامل؛ ذلك أن النوع الأول يبرز طبيعة المنهج المعتمد فيما يبرز الثاني موضوع المنهج الذي يشتغل عليه في هذا النص وهو الشعر.

 

 

3-7/ قضايا النص

إذا كانت القضية العامة لهذه الدراسة النقدية تناول قصيدة الشابي بالاعتماد على توظيف المنهج البنيوي، فإن الناقد قد سلك خطة منهجية لم تحد عن خطوات المنهج البنيوي المعلومة، نبينها كالتالي:

- تحديد البنية: اختار الناقد قصيدة للشاعر التونسي الشابي نظرا لقيمتها الأدبية.

- عزل البنية: يظهر ذلك في النص من خلال عزل الناقد القصيدة عن ظروف إنتاجها لدرجة عبر عن الشاعر بالذات المتكلمة...

- تحليل البنية: حلل فيها الناقد قصيدة الشابي من خلال اكتشاف العلاقات المتحكمة في بنية النص، وفيها تمت دراسة العناصر المكونة للنص لبيان علاقتي التناظر والتقابل بينها:

  • تناظر المقطعين باحتواء كل منهما على ظرف.
  • تناظر إيقاعي اضطراري وغير اضطراري.
  • تناظر صوتي بين المادة الصوتية ومضمون الشكوى.
  • تناظر تركيبي باحتواء أواخر الأبيات على أسماء، وبين الجمل الفعلية والاسمية في الدلالة.
  • تناظر معجمي حين تترادف عناصر التسلط (بنو الأرباب= جبابرة الدجى) / الحقل= الروض/ يملكه= يسكنه.
  • تقابل بين الجمل الفعلية والاسمية/ واقتضاء النداء للجواب/ والتصادم بين الذات والليل والذي أثارها..

- تركيب البنية: استنتاج الناقد الدلالة العامة للقصيدة انطلاقا من علاقتي التناظر والتقابل بين عناصره، وهي طمأنة الكواكب للذات المتكلمة ووعدها بغد أفضل، وأن الأسوأ يؤول دائما إلى الأحسن..

- قضية ارتباط الدلالة في النقد البنيوي بالبنى الإيقاعية والمعجمية والصوتية والتركيبية، وهي بمثابة البنى الصغرى التي تتفاعل داخل النص الشعري باعتباره بنية كلية مستقلة عن خارجها، مع البحث عن العلاقات الدقيقة الموجودة بين هذه البنى للوصول إلى البعد الكلي أو الدلالة الكلية للنص الإبداعي.

- قضية موت المؤلف: لا مكان للمعطيات الخارجية المتعلقة بحياة المؤلف الاجتماعية أو النفسية أو التاريخية في عملية القراءة باعتبارها مقابلا للجانب الغيبي الميتافيزيقي بالنسبة للظواهر

- قضية مفهوم البنية: مجموعة من العناصر كل عنصر منها يؤدي وظيفة تتكامل مع باقي وظائف العناصر الأخرى بشكل يسمح بتشكيل نسق (نظام من العلاقات) هو ما ينبغي على الناقد البنيوي أن يكتشفه.

 

 

4-7/ الإطار المرجعي

تحكمت في المنهج البنيوي مجموعة من الأطر المرجعية اهمها: علم الدلالة البنيوي الذي تبلور مع جهود أعضاء مدرسة باريس اللسانية، أمثال غريماس.. والذين اشتغلوا بالمفاهيم البنيوية مثلا كالتشابه والاختلاف والسطح والعمق والتنافر والتناظر كما هو الشأن بالنسبة للنص قيد التحليل. واللسانيات: التي ظهر مع سوسير ووفر للنقاد البنيويين جهازا مفاهيميا غنيا عبر مجموعة من الثنائيات. ثم مرجعية تراثية عربية، ويتضح ذلك من خلال تحكم الناقد وتوظيفه لمجموعة من المجالات المعرفية التراثية، وخاصة النحو والعروض، وإرث الشكلانيين الروس، وذلك واضح من خلل دراسة شكل النص واستخلاص الدلالة من عناصره. ونظرية الجشطالت الألمانية ذلك واضح من خلال النظر إلى دلالة النص في كليتها واعتبارها محصلة البنيات الجزئية (الإيقاع، الأصوات، المعجم، التركيب، الأسلوب).

 

 

5-7/ أساليب العرض

وبالنسبة للطريقة المعتمدة في عرض قضية النص، نسجل أن الكاتب اعتمد منهجا استقرائيا انطلق فيه مما هو خاص (المستوى الإيقاعي للقصيدة)، إلى ما هو عام في آخر النص (التقابل والتناظر على مستوى الدلالة العامة للقصيدة).

أما الأسلوب في هذا النص، وكغيره من النصوص النقدية الأخرى، فإن أهم ما يميزه هو هيمنة "أساليب الحجاج" عليه، ومن جملة ما ورد منها في النص المدروس، نذكر أسلوب التعريف، في قوله معرفا الشعر التقليدي: وهو الذي يقوم على وحدة الوزن والقافية والروي. ثم أسلوب الوصف في وصفه قصيد أبي القاسم الشابي على مستوى البنية والدلالة. والاشتغال النحوي لبعض مكونات القصيدة. وأسلوب التكرار كتكرار الفاظ كالكواكب، البنية، المقطع. وأسلوب المقارنة بين المقطعين 1 و2 والأبيات 2و3و4 وكذلك البنيتين الدلاليتين. ثم الشرح والتفسير: تجلى في شرح وتفسير صاحب النص لمعنى التقابل والتناظر في القصيدة.

 

IIX-  تركيب وتقويم

 

النص مقالة أدبية نقدية، وظف فيها الكاتب المنهج البنيوي أثناء دراسته وتحليله للشعر العربي خلال مراحله المتعددة، وذلك في إطار منهجي دقيق وبمفاهيم ومصطلحات أدبية ونقدية بنيوية ولغوية واصفة، وبـأساليب ولغة ملائمة.

في تقديري فإن قوة المنهج البنيوي تكمن في تقريبنا من الجوانب الفنية والجمالية والدلالية الداخلية للنص الشعري واستخلاص الدلالة منها دون الإغراق في تفسيرات لم يدل بها النص. أما ضعفه فيتجلى في تهميش حركة التاريخ والإغراق في الميكانيكية التي تقتل النص الأدبي.