اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية

القصة - نص قصصي 3-1
دم ودخان (مبارك ربيع)

 

 

الأستاذ: حسن شدادي

 

الفهرس

 

I- النص

II- تمهيد

III- دلالة العنوان

IV- فرضية النص

V- إشكالات النص

VI- أبعاد الحدث

VII- تحليل النص

1-7/ الشخصيات : المواصفات والعلاقات

2-7/ الفضاء القصصي : المكان والزمان

3-7/ عناصر السرد

4-7/ الخطاطة السردية

5-7/ البنية اللغوية والأسلوبية للنص السردي

IIX- تركيب وتقويم

 


I- النص

 

دم ودخان

 

II- تمهيد

 

إذا كان نشأة القصة القصيرة في الغرب قديمة نسبيا مقارنة مع النشأة العربية الحديثة في المشرق مع بداية القرن العشرين، فإنها لم تظهر في المغرب إلا في بداية الثلاثينيات، وعرفت تطورا في مسارها التاريخي، كما مستها تحولات نوعية في بنائها الدلالي والسردي والفني. تعددت موضوعاتها وتنوعت، فركزت في البداية على ما هو سياسي من خلال الاهتمام بقضايا التحرر والاستقلال ومقاومة المستعمر الأجنبي، وفي الستينات وبعد أن استقال المغرب انزاحت إلى الاهتمام بالصراع الاجتماعي وهموم الإنسان المغربي فاصطبغت بصبغة واقعية، قبل أن تنحو منحى تجريبيا واستبدلت بالقضايا التقليدية قضايا جمالية وتعبيرية وبنيوية. أي أنها اهتمت بالشكل أكثر من المضمون.

ومن كتابها العرب والمغاربة محمد القري، وعبد المجلد بن جلون، أحمد بوزفور، محمد عز الدين التازي، ليلى أبو زيد، ربيعة ريحان، محمد تيمور، زكريا تامر، يوسف إدريس، نجيب محفوظ، لطيفة البصير. ومبارك ربيع، الذي جمع بين القصة القصيرة والرواية وقصص الأطفال. وقد مرت تجربته الفنية بثلاث مراحل: الرومانسية ثم الواقعية فالفنية. ومن إنتاجه السردي: رحلة الحب والحصاد، البلوري المكسور، دم ودخان، رفقة السلاح والقمر..

 

III- دلالة العنوان

 

جاء العنوان جملة اسمية بسيطة تتكون من نكرتين؛ الأولى منهما خبر ("دم") والثانية معطوف عليه (ودخان) والخبر محذوف تقديره هذا أو موضوع النص. ومعجميا تحيل كلمة "دم" على الحياة، والخوف والضعف والقوة، أما كلمة "دخان" فتحيل هي الأخرى على السواد والشؤم والحزن وعدم الوضوح والفرح والبهجة، ودلاليا ينطوي العنوان على بعدين مفارقين: الأول سلبي أساسه الموت والمعاناة والمأساة (دم)... والثاني إيجابي قوامه الفرح والبهجة والاحتفال (حالة عيد الأضحى).

 

IV- فرضية النص

 

وانطلاقا من العنوان ومن صاحب النص ومصدره، ومن بعض عناصر النص السردي، مثل: (الشخصيات: دحمان والمعلم علي..) والأحداث (وقف، ..) والفضاء (مصطبة المعلم علي.. منذ أكادير..) والحوار والسرد.. نفترض أن النص قصة قصيرة تعالج قضية اجتماعية بطلها إنسان مغربي بسيط انغمس في العذاب والمعاناة إلى قنة رأسه.

 

V- إشكالات النص

 

  • فما طبيعة المتن الحكائي للقصة ؟
  • وما هي خصائصها الفنية ؟
  • وما مدى توفق الكاتب في تمثل مميزات الفن القصصي ؟
  • وما مدى عكس النص للتيار القصصي الذي ينتمي إليه ؟

 

VI- أبعاد الحدث

 

يسرد الراوي قصة دحمان المسؤول عن أسرة والفقير والمتأزم، الذي امتهن بيع دمه، وهذه المرة لكي تستفيد منه امرأة مريضة. لقد كان الاتفاق خمسون درهما لكن الرجل المجلبب أخل بوعده ولم يمنحه سوى عشرة دراهم مما انعكس على نفسيته فقلق وبدأ يؤنبه ضميره، بالرغم من جو الحبور والفرح الذي أدخله على أفراد أسرته بعدما اقتنى قطعة كبد وشحم، إلا أنه بمجرد أن أنضجتها زوجته وناولته سفود فبدأ يمضغ بعض القطع تماثل له اللحم في فيه على أنه الدم الذي أخذ منه وهو يتحرك في زجاجة خاصة بتحاقن الدم.

بناء على ما سبق يتضح أن أحداث النص تنطوي على عدة أبعاد، منها الاجتماعي ممثلا في طبقة اجتماعية فقيرة تزداد أزمتها حينما تتسع دائرة الأسرة وتتضاعف حاجياتها. ثم القيمي الأخلاقي ممثلا في مظاهر الاستغلال الانتهازي وخرق المواضعات القيمية (الكذب) ومعاناة متنوعة نفسيا وصحيا واللجوء إلى حلول انتحارية تفقد الإنسان كرامته وعزته، بالرغم من الدوافع القيمية النبيلة وراء ذلك الفعل. ثم الاقتصادي ممثلا في غياب عقلية تنظيمية لسوق الشغل عبر تدبير مقبول للبطالة بمختلف أنواعها.

 

VII- تحليل النص

 

1-7/ الشخصيات : المواصفات والعلاقات

تتأسس القصة على شخصية محورية ممثلة في دحمان، وشخصيات ثانوية يبدو بعضها عابرة ولا أهمية لها في النص، ومن بينها الزوجة والأطفال، المعلم علي، الممرض، الطبيب، الرجل المجلبب، المريضة.

وبحكم مركزية شخصية دحمان فإننا سنكتفي برصد خصائصها دون غيرها. فهذه الشخصية تبدو في القصة متعبة (صفة خارجية) فقير ورب أسرة وعاطل عن العمل (صفات اجتماعية) وحزين وظالم لنفسه ونادم وخسيس من خلال امتهان بيع كراكته (صفات نفسية قيمية).

ويظهر في النص أن نظام العلاقات يتمركز حول دحمان، وهو ما جعل علاقته بباقي الشخصيات مختلفة، حيث يمكننا التمييز بين علاقات الاشمئزاز وتأنيب الضمير والندم (مع الذات) وعلاقة الواجب المهني المرفق بالكذب والتحايل (مع الطبيب) وعلاقة استغلال ومصلحة مادية ونفعية (مع الرجل المجلبب) وعلاقة تدبير أسري عائلي (مع الأسرة) وعلاقة تجارية خالصة (مع المعلم علي).

هذه العلاقات ساهمت في خلق نمو الأحداث وديناميتها.

 

 

2-7/ الفضاء القصصي : المكان والزمان

ومن منطلق أن الأحداث والوقائع لا تتصور خارج الزمان والمكان فإن الكاتب قد اختار أحيازا مكانية تتناسب مع وقائع الحكاية وذلك بجعلها تتمركز حول مكان رئيسي هو "المستشفى" الذي تحول من مؤسسة عمومية للعلاج إلى فضاء للاستغلال والتجارة (وعقد صفقات) تخل بكرامة الإنسانية. كما انفتح على مكانين ثانويين؛ أولهما محل الجزارة وهو مكان تحكمه علاقات محدودة لا تتعدى على البائع بزبونه، ثم البيت بما هو فضاء أسري اجتماعي، ويبدو مفتوحا على مشاعر مضادة كالفرح والحبور (الزوجة والأطفال) والألم والحزن (دحمان).

أما الزمن فيحظى بحضور محدود في النص، ويمكن دراسته باعتماد ثنائية القصة والخطاب؛ فزمن القصة يتمثل نصيا انطلاقا من بعض المشيرات الزمنية (اللحظة، فترة، أيام، حين، سنوات، مدة، الصباح، يوم) ودلالة أفعال الحكي في الزمن الماضي الذي يستغرق نصف يوم (من الصباح إلى المساء خصوصا الفترة المخصصة لإعداد الغذاء).

أما زمن الخطاب/ السرد فقد استغرق من الكاتب صفحتين، كما تمثل في مجموعة من المفارقات والتقنيات الزمنية المتمثلة في سرد قصة دحمان الذي يبيع دمه.

وبخصوص النسق الزمني فيتميز باعتماد السارد على الزمن المتقطع الذي يتأسس على تقديم وتأخير في الأحداث دون مراعاة الزمن العادي (استراتيجية متقطعة) وهذا ما فسح المجال لتقنية زمنية أعني الاسترجاع، من خلال استرجاع زمن بيع الدم وما صاحبه من معطيات مختلفة (أخذ الدم- التفاوض مع الرجل المجلبب، التعب الصحي)، وداخل هذا الاسترجاع تبدو معالم تقنية زمنية أخرى هي الاستباق (الاستشراف).

وإذا تأملنا الوثيرة الزمنية (سرعة الأحداث أو بطؤها) فإننا نجدها تتميز بالسرعة الاختزال أحيانا باعتماد تقنيتين زمنيتين هما؛ الحذف والخلاصة حيث تسرع الأحداث؛ لأنه تم حذف وتجاوز كل الأحداث الجزئية والثانوية والهامشية (حذف أحداث الذهاب إلى المستشفى والرجوع منه وظروف إنضاج الوجبة..)، كما تتميز بالتمطيط والتمديد باعتماد تقنية الوقفة التي تستند على الوصف، حيث تسير الأحداث ببطء لأن السارد وقف بتفصيل عند حدث بيع الدم. فين حين لم تظهر تقنية العرض أو المشهد إلا لماما، لما دخلت الشخصية المركزية في حوارات مع بعض الشخصيات. فيما يحضر الزمن النفسي مرتبطا بتقلبات دحمان الذي تتحول حالته النفسية من وضع إلى وضع آخر (هدوء، فرح، قلق، اشمئزاز).

 

 

3-7/ عناصر السرد

وبحكم أن القصة عمل سردي فلا بد لها من سارد يقدمه للقارئ، ويتميز السارد في هذه القصة بكونه غير محدد الهوية، وبالتالي فهو سارد غائب متوار عن الأحداث، غير مشارك في الأحداث التي يسردها، ويمتلك معرفة شاملة بالشخصيات خاصة شخصية دحمان التي يعرف حركيتها وما تناوله من وجبات ويعرف أحاسيسها ومشاعرها وما تفكر فيها وأفكارها وبالتالي فالرؤية المهيمنة على النص هي الرؤية من الخلف.

ولخلق نتفاعل بين الشخصيات أو التعبير عن مكنوناتها الداخلية لجأ الكاتب إلى التنويع في الحوار؛ حوار مباشر بين دحمان والمعلم علي يجسد التواصل الاعتيادي بين التاجر وزبونه. وبين دحمان وأهل المريضة ويكشف عن الصراع المادي القائم على المصلحة الشخصية. وبينه وبين الطبيب، وبه أمكن للسارد نقل مواقف الشخصيات، ورؤاها بصدد الموضوعات التي تواجهها. ثم حوار داخلي انفردت به الشخصية الرئيسية دحمان، وبه كشف الكاتب مشاعر البطل وأحاسيسه وعواطفه وشعوره الباطن تجاه الأحداث والشخصيات الأخرى، وليوهم بواقعية الأحداث أكثر ضمن الكاتب قصته اللهجة المغربية (الكلمة هي الراجل).

 

 

4-7/ الخطاطة السردية

بني النص وفق منطق يغلب عليه تقطيع الأحداث وهو ما ساهم في خلخلة الوضعيات السردية، وهو ما يمكن تبينه في الخطاطة التالية: وضعية البداية وتتمثل في ذهاب دحمان إلى الجزار واقتناء الكبد (كان ينبغي أن تكون في الوسط، لكونها واقعيا بعد بيع الدم واستخلاص ثمنه)، ثم وضعية الوسط وتتجلى في بيع الدم في المستشفى وقبض ثمنه ناقصا، (هذه الوضعية متصلة ببدء الأحداث). وضعية النهاية ويمثلها إنضاج الوجبة وتناولها.

يظهر لنا هذا الشكل أن البناء السردي للقصة متقطع لأن أحداث وضعية البداية كان يجب أن تكون في الوسط، وأحدث الوسط تنتمي عمليا إلى أحداث البداية.

 

 

5-7/ البنية اللغوية والأسلوبية للنص السردي

وبانتقالنا إلى الدراسة الأسلوبية للقصة نجد أن اللغة المستعملة فيها لغة سهلة واضحة وإبداعية ذات طابع إبداعي (الاختزال والكثافة الشعرية) واستثمار اللغة المحكية الدارجة، وتوظيف أسلوب السرد انسجاما مع طبيعة النص القصصي، وأسلوب الوصف سواء كان وصف الشخصية أم المشاعر أم الأفعال، والحوار بين الشخصيات باعتباره حوارا مباشرا وحوارا مع الذات والنفس (منولوج).

 

IIX- تركيب وتقويم

 

تأسيسا على ما سبق يتبين أن النص المحلل قصة قصيرة، لأنه انبنى على وحدة الحدث (بيع الدم) ووحدة الشخصية (دحمان) ومحدودية الزمن وتعدده، ووحدة المكان وتنوعه، وهيمنة الرؤية من الخلف ضمن بناء سردي متقطع وبنية لغوية وأسلوبية ملائمة.

وقد عالج الكاتب مبارك ربيع مشكلة الفقر وما يترتب عليها من انعكاسات سلبية على المستوى النفسي والصحي، حيث نجده يراهن على ضرورة التفكير في حلول منطقية تضمن كرامة الإنسان المعرضة لمظاهر الابتزاز والاستغلال.

وقد جاء النص ممثلا للتيار الواقعي في القصة المغربية الذي برز ببروز مشاكل يتخبط فيها الإنسان المغربي بعيد الاستقلال إلى نهاية السبعينات.