اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية
المؤلفات 2-4 : اللص والكلاب لنجيب محفوظ
المنظور الثالث : الكشف عن البعد النفسي
الأستاذ: حسن شدادي
الفهرس
I- الكشف عن البعد النفسي
I- الكشف عن البعد النفسي
إن قراءتنا لرواية اللص والكلاب من المنظور النفسي، تنتهي بنا إلى إدراك ما تخفيه الشخصيات من مشاعر وأحاسيس وعواطف متوترة، نستنتج منها عمق الأزمة الإنسانية النفسية التي يعاني منها المجتمع المصري والعربي في خمسينيات وستينيات القرن20، الذي قدر عليه أن يعيش في زمن غريب لا يأنس له ولا يشعر معه بالاطمئنان.
إن "اللص والكلاب" بهذا المعنى رواية واقعية نقدية رمزية تكشف عن الحالة النفسية للمجتمع من خلال التعمق في شخصية "سعيد مهران" الذي تعرض لخيانات اجتماعية وسياسية خلقت منه نموذجا بشريا دائم القلق والحيرة، فمن يكون سعيد مهران نفسيا ؟ وما علاقته بالإنسان العربي ؟
لقد قدمت رواية اللص والكلاب شخصية "سعيد مهران"، ذلك الشاب الفقير الذي تعرض لأنواع من الحرمان والقهر والخيانة بمواصفات نفسية جعلت منه نموذجا إنسانيا عربيا يعاني من توتر نفسي وعاطفي وقلق وغربة، سواء تجاه من خانوه (نبوية، عليش، رؤوف) أو أحبوه (نور، طرزان، فئة الفقراء)، أو إزاء الزمن الماضي والحاضر والمستقبل، فعن طريق استرجاع شريط الألم (وفاة والده، أمه، خيانة الزوجة، الصديق الأستاذ)، نفهم سر أزمة "سعيد مهران"، أزمة نفسية ولدها الإنسان الذي خان شعبه وتنكر للمبادئ، وأزمة ولدها الصديق الذي خان الصداقة، وولدتها الزوجة التي نسيت الوفاء... لذلك لا غرابة أن يعيش "سعيد مهران" فراغا عاطفيا وروحانيا، وغربة وضياعا وقلقا وتوترا، وهذه صورة مصغرة لأسر كثيرة تشارك سعيد هذه المعاناة سواء كان تواجدها داخل أم خارج المؤلف، وهي أزمة نفسية ألقت بثقلها على العلاقات العاطفية بين الأفراد، بحيث أصبحت أكثر مأساوية، فعلاقات الحب التي يمثلها في المؤلف حب "سعيد" لابنته وحب "نور" ل"سعيد" تتراجع لتفسح المجال للكراهية والحقد، فتكون النتيجة قتل ومطاردة ورغبة في الانتقام، كما أن علاقة الوفاء التي يجسدها في المؤلف وفاء "طرزان" و"نور" ل"سعيد"، قد تراجعت بدورها لتحل محلها الخيانة بأبعادها الاجتماعية والسياسية.
يبدو واضحا بأن نجيب محفوظ قد تعمد التركيز على نفسية بطل هذه الرواية لغاية كشف التحولات الصعبة التي يعيشها الإنسان المصري والعربي وتداعياتها على نفسية الفرد، خاصة الفقير الكادح.