اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية
تكسير البنية - نموذج شعري 2-1
لنكن أصدقاء (نازك الملائكة)
الأستاذ: حسن شدادي
الفهرس
I- النص
II- تمهيد
III- دلالة العنوان
IV- فرضية النص
V- إشكالية النص
VI- قضية النص
VII- المعجم
IIX- تحليل النص
1-8/ البنية الايقاعية
2-8/ الصور الشعرية
IX- تركيب وتقويم
I- النص
لنكن أصدقاء
II- تمهيد
نشأت حركة تكسير البنية في ظل التحولات الثقافية والاجتماعية، التي شملت مواجهة الاستعمار، وضياع فلسطين، وانبثاق حركات التحرر الوطنية والقومية، وصعود المد الاشتراكي، وبداية انهيار أسس المجتمع التقليدي، وانجذاب المثقفين العرب للثقافة الغربية. وقد تميز هذا الاتجاه على مستوى الوسائل الفنية بتجاوز شكل القصيدة العربية القديمة، فقد تم استبدال نظام الشطرين بنظام السطر الشعري. إضافة إلى تحقيق الوحدة العضوية والموضوعية للقصيدة باعتماد التفعيلة أساسا للوزن وتنويع القافية والروي واعتماد المقاطع. هذا إلى جانب شحن اللغة وألفاظها بدلالات وأبعاد تخرج عن المألوف باستعمال الانزياح والبعد الدلالي والتركيبي، وتوظيف أدوات فنية جديدة تعتمد الرمز والأسطورة. علاوة على اعتماد التدوير. أما على مستوى المحتوي فقد عمل الشعراء على التحرر من الموضوعات والأغراض التقليدية من أجل التعبير عن تجارب تلتحم فيها الذات بالجماعة، والتعبير عن تجربة الغربة والضياع، وتصوير تجربة الحياة والموت، والتفاعل مع التراث الإنساني. ومثل هذا الاتجاه عدة شعراء منهم نازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وسميح القاسم وغيرهم. ويعد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة من رواد الشعر العربي الحديث.
III- دلالة العنوان
جاء العنوان جملة فعلية من فعل مضارع مقرون بلام الأمر ومفعول به. وقد تجسد في صيغة الأمر (لنكن) التي تفيد الإلزام، وقد خرجت إلى معنى التمني أو الرجاء، لأن الصداقة (أصدقاء) لا تتأسس على الإجبار والإكراه مما يجعلنا نفترض أن الشاعرة تحلم بعلاقات إنسانية نبيلة بين الناس.
IV- فرضية النص
وإذا وقفنا عند الشكل الخارجي للنص نلفي أن الشكل الطباعي أو الهندسي للقصيدة يحيل على نمط شعري جديد تم فيه خرق نظام الشطرين المتوازيين ووحدة القافية /الروي. وانطلاقا من المشيرات السابقة نفترض أن النص قصيدة شعرية حرة للشاعرة نازك وفيها تحلم بعلاقات إنسانية نبيلة بين الناس، وأعني الصداقة بالأساس باعتبارها القيمة الكونية التي هي أساس المجتمعات الفاضلة، والضامن لتجاوز واقع بئيس مر أنهكته الصراعات والحروب.
V- إشكالية النص
- فما الموقف الفكري المعبر عنه في القصيدة؟
- وما هي أهم الخصائص الفنية والأسلوبية والإيقاعية التي اعتمدتها الشاعرة؟
- وإلى أي حد تمكنت الشاعرة من تمثيل هذه الحركة شكلا ومضمونا؟
VI- قضية النص
تصور نازك الملائكة مآسي الإنسان المعاصر وشقاءه وتعاسته بسبب الحرب والظلم الذي تعرض له خلال الحرب العالمية الثانية وما أفرزته من مصائب ونكبات.. لكن الشاعرة، رغم ضخامة آلامها، إلا أنها تأمل في أن ينزاح الظلم والمآسي، ويتحقق الإخاء وتعم الصداقة والعلاقات الإنسانية النبيلة بين أبناء البشرية. وتتفرع الدلالة العامة للنص إلى المحاور الدلالية الجزئية التالية:
- المقطع الأول: يتصل هذا المقطع بالدعوة إلى الصداقة لأن العالم مليء بمظاهر الكآبة (س2) والدمار وثقل الزمان (س 4) وكثرة الضحايا.
- المقطع الثاني: يرتبط هذا المقطع بالإلحاح على الصداقة لتجاوز قسوة القضاء الذي لا يحقق الإنصاف والعدل (س9) فيضيع الحق وتتضاعف المعاناة.
- المقطع الثالث: يتأسس على الرغبة في خلق صداقة تحد من المفارقات بين الظالمين والمظلومين، وجعل الصداقة ذات نتائج إيجابية تنعكس سلبا على الظالمين.
- المقطع الرابع: ينفتح على الدعوة للصداقة مع كافة الفئات المجتمعية المضطهدة والتي تقتسم نفس المعاناة (س 30- 39) في جميع بقاع الأرض، لأن الصداقة عنصر فعال في تجاوز مظاهر المعاناة والأسى لفئة معينة من الناس (الفئة المضطهدة).
إن ما يوحد النص هو الدعوة إلى الصداقة ونبذ أسباب الدمار والعداوة والكراهية، من هنا نلحظ التزام الشاعرة بقضايا الواقع وهموم الإنسان العربي مع إكساب التجربة بعدا إنسانيا، فضلا عن خضوع القصيدة للوحدة العضوية والموضوعية، وهو مطمح ابتدأه شعراء الاتجاه الذاتي.
VII- المعجم
وبالانتقال إلى المعجم أمكننا تصنيفه إلى حقلين دلاليين اثنين؛ الأول يرتبط بالحزن والمعاناة، وتمثله الألفاظ التالية: (الكئيب، الدمار، الضحايا، الأسى، العبيد..) والثاني مرتبط بالأمل والرجاء، وتمثله الوحدات الدلالية التالية: (الرجاء، الحياة، الأصدقاء، عرق جديد...).
يفصح هذا التصنيف عن هيمنة حقل الحزن والمعاناة باعتباره عالما كائنا، والأمل عالم ممكن تعكسه بوضوح الدعوة إلى الصداقة.
العلاقة بين الحقول الدلالية
كما يعبر التصنيف السابق عن علاقة تضاد بين الحقلين (الأمل/ الألم) من جهة. وعلاقة سببية من جهة أخرى إذ الألم سبب الأمل وهذا بدوره نتيجة له. وما يلاحظ على مفردات النص المعجمية أنها مفردات بسيطة وسهلة لكنها في نفس الآن رمزية وإيحائية.
IIX- تحليل النص
1-8/ البنية الايقاعية
أما فيما يخص الجانب الإيقاعي، فقد عمل الشاعر من ناحية الإيقاع الخارجي على تجاوز نظام الشطرين الذي يتأسس على وحدة البيت والقافية والروي، واعتماد نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة في حجمها وامتدادها داخل النص، ومساهمتها في تكوين جمل شعرية تساهم بدورها في تأسيس مقاطع شعرية تتحكم فيها " الدفقة الشعورية". ويمكن تبيان ذلك من خلال كتابة الأسطر الأولى كتابة عروضية، حيث اعتمد الشاعر تفعيلة بحر المتدارك (فعلن)، كما اتسمت القافية بالاختلاف والتنوع، وتراوحت بين: القافية المتوالية (متتابعة)كما في السطور 8.7.6 (الرجاء، أصدقاء، القضاء). والقافية المتراوحة: بحيث ترد في سطر وتختفي في الذي يليه ثم تظهر في الثالث كما السطرين 17و19 (يدا، الأسودا). والقافية المركبة: وذلك حين ترد في سطر وتختفي في الأسطر اللاحقة ثم تعود من جديد، كما في السطور 2 و4 و9 و12.
وفيما يتعلق بالإيقاع الداخلي للنص، وظفت الشاعرة موسيقى داخلية ناشئة من طريقة ترتيبه للكلمات وتوزيعها للأصوات، كالتكرار الذي يتخذ شكل تعبير على طول النص (لازمة: لنكن أصدقاء) كما تكررت داخل النص حروف (الهمزة، الباء...) وكلمات (أصدقاء/ أصدقاء، أشقياء/ أشقياء..). والطباق: القرى/ المدن، أصدقاء/ أشقياء. والتماثل الصوتي: رخاء/ سماء، العبيد/ البليد. والتوازي التركيبي في مثل: (نحن والتائهون بلا مأوى/ نحن والصارخون بلا جدوى)، والتوازي الدلالي: (الأسطر الشعرية 31-32-33)، والتوازي بالترادف: (الدمار/ الفناء-الأسى/ الأنين...) والتوازي بالتضاد: (المدن# القرى ـ يمشي# يحيا.)
** يتضح جليا أن الإيقاع الخارجي جاء بعناصر حديثة لم تكن متداولة من قبل، وبذلك كسر إطار البناء الشعري القديم.
IIX- تحليل النص
2-8/ الصور الشعرية
وإذا انتقلنا إلى الناحية الفنية نجد أن الشاعر استند على بعض الصور الشعرية من البلاغة العربية القديمة اعتمادا على عناصر بلاغية تقليدية مثل: (التشبيه والاستعارة والمجاز)، وعلى أخرى إيحائية رمزية. فمن الأولى: الاستعارة في قوله الدمار يمشي هازئا بكل من يأمل في تحسن الأوضاع أو يطمح في التغيير إلى الأفضل.. (س 3و4) والقضاء قاس فعيونه جامدة، والزمان طائش ينزل بسوطه بلا رحمة.. (س8و11) والقلوب تذوب لتسكب في كؤوس ملأى بالأنين (س25-29). ومن الصور إيحائية رمزية: س 34- 48- 35 وكلها تعبيرات إيحائية تنفتح على الألم والمعاناة دافعا وحافزا لتحقيق الصداقة. وهي صور اعتمدت عنصر الانزياح وخلقت علاقات جديدة بين الكلمات خرقت المألوف، وارتفعت عن الخضوع لتحديدات البلاغة التقليدية، كما أدت وظيفة تعبيرية وإيحائية، فضلا عن الجمالية. كما أنها لم تعد تمتح من التراث أو الطبيعة فقط، ولم تعد جزئية بل غدت كلية ومركبة وتمتد أحيانا لتغطي مقطعا كاملا.
أما الأساليب فيمكن أن نميز فيها بين أسلوبين: خبري وإنشائي، يبرر حضور الأول رغبة الشاعرة في نقل والتعبير عن الوضعية المأساوية للإنسان المضطهد الذي لن يجد حلا لإشكاليته إلا في قيمة الصداقة، فيما ينفتح النص على أسلوب الإنشاء (أسلوب الأمر= لنكن..) مع حضور أساليب إنشائية أخرى (الاستفهام= أين المفر) و (النفي= بلا مأوى؛ بلا جدوى). ويظهر هيمنة أسلوب الأمر الداعي إلى صداقة كونية إنسانية وجماعية (نحن).
وإذا تتبعنا أفعال النص نجدها تتراوح بين الأفعال المضارعة مثل:( يمشي، يحز، يعود..) وهي أفعال تدل على الحال والغاية من ارتباطها بالزمن الحالي، وصف هذا الواقع المزري بكونه حاليا ولا زال قائما، فيما الأفعال الدالة على الأمر والخالصة للاستقبال (لنكن أصدقاء..) والمضارعة الخالصة للاستقبال للاحق لحقها (ستحس، ستعود..) ما زال ما تدل عليه مأمولا.
وإذا انتقلنا لبنية النص فالملاحظ أنه انتظم وفق بنية أسلوبية دائرية أو حلزونية؛ إذ انتهى من حيث ابتدأ (لنكن أصدقاء).
IX- تركيب وتقويم
نخلص إلى أن القصيدة تنتمي إلى خطاب تكسير البنية؛ لأنها تجاوزت القضايا الذاتية الوجدانية الضيقة وانفتحت على قضية ذات بعد إنساني، وقد تم ذلك عبر لغة بسيطة وإيحائية لا تتأسس على التصريح وإنما تنبني على التلميح وعبر بنية إيقاعية جديدة تحررت بموجبها من قيود التقليد، وصور شعرية تجمع بين البلاغي والرمزي وبنية أسلوبية مزدوجة..